مقالات

الاعتصام ليس ثقافة “الطيبة” وحدها

تجاوز وعي المواطن ما وضع في طريقه من عقبات تحول دون حقه الدستوري في الاجتماع  العام. فلا قيمة لأي  قرار أو سياسة أو تشريع إن تعارض مع الحق الدستوري. فالعقد الذي ينظم علاقة الناس بالدولة والمجتمع لا يحق لأي سلطة نقضه أو تغيير بنوده إلا بموافقة الطرفين. وقانون الاجتماعات العامة سواء بصيغته المؤقتة التي شرعتها حكومة علي أبو الراغب أو الدائمة التي أقرها مجلس النواب الحالي اعتداء على نص دستوري واضح يضمن حق الاجتماع. 

عندما لا تذهب الدولة إلى الأزمة تأتي الأزمة عندها. وهذا ما حصل مع أهالي الطيبة الذين حركتهم أبسط حقوقهم الطبيعية في المياه. طبعا وزارة المياه كانت لاهية عنهم في مشاريع كبرى كقناة البحر الميت وجر مياه الديسي! وهذا يعرّي منهج الوزارة التي تهرب من المشاكل الصغيرة الأساسية إلى المشاريع الكبرى، وتضع نصب عينيها رضا الشركة لا رضا المواطن.

ولم يعد خافيا رقاص وزراء جدد المتأرجح بين الشركة الخاصة والوزارة العامة؛ فلا تكاد تميز بين مكتبه في الشركة ومكتبه في الوزارة. والمستقر في النهاية هو الخاص والوزارة متغيرة، فيقدم الخاص على العام!

وإضافة إلى المطالب المناطقية المشروعة شهدنا تحركا مطلبيا نقابيا حول قانون الضمان وآخر يخص الصيادلة. وقبلهم تحرك عمال الميناء معتصمين في سبيل حقوق عمالية بسيطة هضمت لصالح كبار الموظفين. وقل أن يمر شهر من دون تحرك مطلبي.

يلاحظ أن معظم “الاجتماعات العامة” تخص قضايا مطلبية حيوية، وأنها تمت بسلام ومن دون تهديد لأمن البلد ولم تحدِث إضرارا بالممتلكات العامة. واتبعت سياسة الاحتواء الأمني والتغاضي من دون المواجهة والصدام.

الاستثناء الوحيد كان الاعتصام أمام وزارة الزراعة إذ فض بالقوة وهو ما خدم الاعتصام أكثر مما أضر به. ويظل حق المواطن مقدسا في الاجتماع العام، ولو من أجل قضايا  سياسية محضة. بعد اعتصام الزراعة تجمع طلاب الاتجاه الإسلامي أمام السفارة الصينية احتجاجا  على الاضطهاد الذي يتعرض له مسلمو تركستان الشرقية. وفي الحالين لم تقطع إسرائيل ولا الصين علاقتهما مع الأردن!

عندما يثبت مؤشر الخوف بحدود 80 في المائة في استطلاع الديمقراطية السنوي يكون الوضع مقلقا. فالمواطن الخائف خطر على نفسه وعلى الدولة. فالأصل أن يبدي المواطن رأيه قولا وفعلا (اعتصام تظاهر..) من دون خشية العواقب بما أنه لا يقوم بعنف أو تخريب. والعشرون بالمائة الذين لا يخشون العواقب هم المؤمنون بحقوقهم الدستورية الواثقون بأنفسهم. وعلى الدولة أن تطمئن إليهم.

عودة إلى الطيبة التي كشفت عورة وزارة المياه. فالقضية لا تحل بمناقلات في الوزارة بل بمحاسبة سياسية قاسية للوزير يقال ويعاقب إن ثبت إهماله وتقصيره. وفي محافظة الكرك علينا أن نسأل عن دور البلدية والمحافظة والنواب وكل من له علاقة بالشأن العام.

ليس المطلوب تحويل الأردن إلى ساحة اعتصامات، المطلوب أن  يقوم المسؤول بدوره، ليس من خلال  الجولات الميدانية الدعائية. بل من خلال قراءة الورق، والكتابة عليه قرارا وشرحا وتوجيها. علينا أن نسأل عن الورق في أزمة الطيبة قراءة وكتابة، والواضح أن من المسؤولين من لا يقرأ ولا يكتب، أي أمية الوظيفة العامة.

هل تريد التعليق؟