أتوقع أن يكون يوم الانتخابات مملا ومضجرا. فباستثناء المرشحين وأقاربهم وأصدقائهم من الدرجة الأولى لن يكون ثمة حماسة للتغيير ولا ترقب للنتائج. وسائل الإعلام ستحاول تسخين الانتخابات حتى يمكن وصفها بالمعركة التي ينتج عنها فائزون وخاسرون. وزير الداخلية، في حينها، سيكثر من المؤتمرات الصحافية والاجتماع مع المحافظين واللجان وما شابه. برفقته دائما شاب واعد حاصل على دبلوم حاسوب أو دورة (I c d l) الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، يعد له جداول مقارنة بنسبة المسجلين والمرشحين ذكورا وإناثا، الوزير سيذهل من الجداول البيانية وطريقة عرضها ملونة مع الموسيقى المصاحبة (أغنية في حجم بعض الورد إلا أنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا).
ستصرف وعود كثيرة بانتخابات نزيهة، ومن باب التأكيد العملي سيكشف عن اختراع المثقب الذي يخزق الهوية الشخصية بدلا من الكابسة التي تعلّم نجمة على الهوية، فلا كي للهويات كما حدث في الانتخبات السالفة. بالموازاة تعقد أحزاب المعارضة مؤتمراتها. الحزبي الذي سيتولى رئاسة تنسيقية أحزاب المعارضة أوان الانتخابات سيكون محظوظا، سيجد صحافيات أميركيات وفرنسيات وإسبانيات وغيرها من الجنسيات ذات الماضي الاستعماري مع فرق تصوير ومترجمين وإضاءة يقابلنه. سيشدد على أن الإصلاح ينبع من الداخل، ولا يفرض من الخارج. طبعا سيتحدث بقسوة بالغة عن الإدارة الأميركية الغبية (هل يوجد أحد لا يصفها بالغباء؟!).
في الأثناء ستضبط مؤسسة مجتمع مدني متورطة بالجرم المشهود؛ التمويل الأجنبي. ستكون الجمعية التي حصلت على تمويل لتطوير استخدام المرشحات للحاسوب المحمول في إدارة حملاتهن. طبعا الجهة الممولة تكون نفسها التي مولت حاسبات وزارة الداخلية التي ترقد فيها قوائم الناخبين والمرشحين موالين ومعارضين. ستعلق معارك بين المعارضين أنفسهم، جبهة العمل الإسلامي تعد قوائمها بمعزل عن تنسيقية المعارضة، منوهة أنها في ظل قانون الصوت الواحد لن تستطيع بناء تحالفات انتخابية. وفي حال إقرار الكوتا الحزبية ربما ترشح الجبهة مسيحيا بعثيا للتأكيد على تلاحم المشروعين الإسلامي والقومي ونبذ الطائفية.
في المحصلة ستعلن النتائج في مؤتمر صحافي بالمركز الثقافي الملكي، وأمام العالم سنكون بلدا يغذ الخطى صوب الديمقراطية، فهي تأتي تدرجا لا مرة واحدة، وإلا كررنا النموذج الجزائري والعراقي. سيرد الوزير على اتهامات المعارضة بتجاوز هنا وهناك مؤكدا أن لجنة الطعون في مجلس النواب هي من يقرر الطعن بصحة نيابة الفائزين. كثير من الرصاص سيطلق في الهواء، وخراف كثيرة سيراق دمها بهجة تليق بالعرس الديمقراطي.
في المؤتمر الصحافي سيستعين وزير الداخلية بالداتا شو والبور بوينت، والشاب الواعد سيشعر بالإحباط، فالانبهار الذي يبديه الوزير بكفايته وعبقريته في استخدام الحاسوب سيذوي مع انتهاء المؤتمر الصحافي. سيبدأ بالتفكير بإعداد قوائم بيانية لتحليل النتائج؛ نسب الناخبات مقارنة بالناخبين، نسبة الناخبين مقارنة بالمسجلين، سيجد أرقاما كثيرة تغري بالمقارنة. الوزير لن يبهر بالجداول الجديدة سيكون محبطا أكثر من الشاب الواعد، الحكومة التي تجري الانتخابات ستُغير، سيفكر جديا بالتحول إلى معارض. الأمر سيكون مسليا أكثر من المكوث في البيت. الوزير ينتقل إلى مقاعد المعارضة، لكن المعارضة لا تنتقل إلى مقاعد الحكومة. هكذا الانتخابات عندنا كل شيء في مكانه مع أن المفروض أن الانتخابات تغير تغييرا جوهريا.
هل تريد التعليق؟