ليست طرفة، بل حقيقة سمعتها وشاهدتها في بغداد: سأل الصحفي الغربي، في العام 1995، عزت إبراهيم الدوري الذي كان يرأس الاستفتاء على الرئيس العراقي صدام حسين، عن كيفية التعامل مع مئات لم يصوتوا بـ”نعم” للرئيس الذي حصل على نسبة 99.9 %.
وتوقعت أن يقول الدوري إن ذلك من حقهم، وإن هذا دليل على وجود من يقول “لا” في العراق، ولو بغياب مرشح منافس للقائد الضرورة.
لكن الدوري أجاب بانفعال بأن هؤلاء “الخونة” سنجدهم، وسيلقون جزاءهم العادل. في آخر استفتاء قبيل الحرب، تحقق وعد الدوري، وحصل القائد الضرورة على 100 % من أصوات الاستفتاء.
بعيدا عن المشهد الساخر، ما مصير “الخونة” و”الإرهابيين” و”التكفيريين”.. الذين لم يصوتوا لرئيس الوزراء نوري المالكي في الانتخابات الأخيرة؟ كيف يمكن منافسة من يملك كل مقدرات البلاد؛ عسكرية وأمنية ومالية؟ كيف يمكن كسر التصويت الطائفي والعرقي؟
في الانتخابات السابقة، وعلى الرغم من كل ذلك، تمكن إياد علاوي وقائمة “العراقية” من المنافسة، وصوت السُنّة لعلاوي وفازت “العراقية”.
لكن لم تتمكن من تشكيل الحكومة في ظل توافق إيراني أميركي على المالكي، الشريك الأبدي في الحرب اللانهائية على “الإرهاب”.
ما هي الديمقراطية، طالما أنها مقيدة بـ”القائد الضرورة”؛ سواء كانت الضرورة تحرير فلسطين وتوحيد الأمة العربية، أو كانت محاربة الإرهاب وتوحيد الطائفة؟ وما هي الديمقراطية في ظل غياب مفهوم الدولة والمواطنة؟ العراق هو الشيعي أو السني أو الكردي أو الأشوري، أو ما شئت من هويات فرعية، والدولة ليست لأبنائها. العرب السنة يتعرضون لتهميش منهجي، أفرغ مؤسسات الدولة منهم.
وبالأرقام، فإن حضورهم في مؤسسات الدولة في بغداد يقل عن عشرة في المئة في كثير من المؤسسات. وفي أقليم كردستان، لا مكان لغير الكردي، سنيا أو شيعيا.
لا مفاضلة بين الدكتاتوريات. لكن أيام دكتاتورية حزب البعث، كان الشيعة يديرون 28 دائرة في المخابرات العراقية. لكن في دكتاتورية اليوم لا يدير السنة ولا دائرة، وأكثرية قائمة المطلوبين الأميركية من نظام البعث كانوا شيعة. هذا لا ينفي مسؤولية حزب البعث عن فشل بناء دولة المواطنة لا الطائفة.
السؤال عن ماهية الديمقراطية لا يخص العراق؛ بل يتعداه بعيدا إلى الجزائر ومصر، وقريبا سورية. وهذا السؤال لا يعني أبدا براءة بأثر رجعي لنظام البعث، ولو أن قائده أعدم على يد الأميركيين؛ فأن تقاتل أميركا لا يعني أنك ديمقراطي، وأكثر نظام حارب ويحارب أميركا هو نظام طالبان، لكن ما علاقة الملا عمر بالديمقراطية؟ الإجابة عن السؤال توضح أن ما يجري هو إعادة إنتاج للدكتاتوريات، وسط مسرحيات تكون متقنة الإخراج حينا، وركيكة الإخراج أحيانا.
ولا شك في أن العروض السابقة لمسرحيات فوز المالكي كانت أكثر إتقانا من هذه المرة.
هل تريد التعليق؟