كم بدت أميركا ضعيفة ومتخبطة في انحيازها للهجوم الأثيوبي على الصومال. فالقوة الوحيدة المتفردة وصاحبة المشروع الأمبرطوري بحاجة إلى أثيوبيا لتخوض معركة بالوكالة عنها. وبانحيازها للطرف المحتل الغازي الذي خالف كل مبادئ القانون والشرعية الدولية ينكشف تخبطها الذي لا يقتصر على ما شهده العراق بخاصة والمنطقة بعامة.
كان بإمكان الولايات المتحدة أن تثبت لأمة العرب والإسلام، ولو لمرة واحدة، أنها غير معادية لهم مجانا. الصومال كانت فرصة ذهبية، فهي غير محاذية للطفل المدلل إسرائيل ولا يوجد فيها آبار نفط، وتحتمل وجود نظام محافظ اجتماعي(في ظل تحقيق أفريقيا لأعلى معدلات الإيدز تغدو المحافظة مطلبا حيويا!). والمحاكم ليست طالبان ولا يوجد لديها أسامة بن لادن، وقد استعدت للحوار مع أميركا، وبدأ فعلا هذا الحوار.
لنتخيل لو نجح الحوار وأعلنت أميركا أنها مع المصالحة الصومالية، وبدأت بتقديم مساعدات إنسانية لضحايا المجاعة والطوفان، هل سيخرج الصوماليون بمظاهرات يحرقون فيها العلم الأميركي؟ ألا يسهم ذلك في تحسين صورة أميركا القبيحة في العالم العربي والإسلامي؟ يبدو أن هذا آخر ما تفكر فيه.
الهجوم الأثيوبي تم، والخاسر هو الإنسان الصومالي الذي يدفع ثمن حرب عدوانية شنتها أثيوبيا بالوكالة عن أميركا. وهي ككل حروب أميركا مفتوحة على خسائر لا حصر لها ولا يمكن حسمها. المحاكم ليس لديها جيش نظامي وستشن حرب عصابات ترهق فيها حلفاء أميركا وتشعل القارة الأفريقية. في عالم لا تنقصه صراعات الهوية. والأميركيون يعرفون أن أكثرية سكان أثيوبيا مسلمون، وهم يعانون من تهميش فاضح وتعرضوا تاريخيا لحروب إبادة وتدمير، وهؤلاء سيجدون في خطاب المحاكم ما يعبر عن مظالمهم.
ليس غريبا الموقف الأميركي. الغريب هو الموقف العربي بعامة والمصري بخاصة. فالصومال بلد عضو في الجامعة العربية، والمفروض أن تتحرك الجيوش العربية وفق ميثاق جامعة الدول لصد عادية الأثيوبيين، وهي ذات الجيوش التي تحركت لنصرة فلسطين والعراق ولبنان! لا داعي لتحريك الجيوش.. على الأقل مؤتمر صحافي لعمرو موسى (هل يزال شعبولة يحبه ويكره أثيوبيا –عفوا– إسرائيل؟) يطلق فيه دعوة للمصالحة. خصوصا في ظل التقدم المذهل الذي حققته المصالحة في لبنان. ألم تكن مقديشو تستحق زيارة من أمين جامعة الدول العربية؟ بالتأكيد زيارة بيروت والإقامة بها أفضل لكن الصوماليين ضمن ولايته!
أثيوبيا التي تتحكم بمنابع النيل أخطر على مصر من إسرائيل فكيف تتركها مصر تستبيح جارتها العربية؟ مصر مشغولة بما هو أهم؛ تعديل الدستور. لا داعي للمبالغة مصر لم تتحرك لنصرة غزة عندما استباحتها الدبابات الإسرائيلية، ولم تتحرك لنصرة العراق ولبنان. في ظل وضع كهذا لا يحق للرئيس المصري أن ينتقد التدخل الإيراني في العراق ولبنان. وحال مصر القائدة هو حال الأمة من المحيط إلى الخليج. أمة مستباحة لمن شاء “وكالة بدون بواب” على رأي المصريين.
بقي استدراك مهم، عندما حققت المحاكم الإسلامية الأمن للصوماليين، بعد عقد ونصف من الحرب الأهلية المدمرة، استنفر رسل المشروع الأميركي هجوما عليها لأنها منعت الموسيقى والسينما! بمعزل عن دقة المعلومات وصحتها، على الرسل ذاتهم أن يطالبوا قوات التحرير الأثيوبية بجلب الكهرباء للمدن المحررة لأن السينما تشتغل على الكهرباء حسب علمي! وبخصوص الموسيقى يمكن أن يقصف الناس بدل القنابل بأجهزة أم بي 3 لسماع روائع الموسيقى العالمية، تمهيدا لافتتاح دار الأوبرا في مقديشو. المهم أن يكون قد أصلح المطار لاستقبال عازفي الأوركسترا الإيطالية. ليس لأهميهم الفنية المعروفة وإنما تكفيرا عن حفلة الشواء البشري التي أقامها الجنود الطليان يوم جاؤوا إلى الصومال.
ويحدثونك عن القاعدة! بالمناسبة عبدالعزيز المقرن مسؤول القاعدة في السعودية سبق أن قاتل في الصومال. وهو لو بقي حيا سيكون سعيدا بالموقف الأميركي أكثر من الحكومة الأثيوبية نفسها. القاعدة تتحرك وتنمو وتزدهر في ظروف كهذه، والصوماليون الذين زارهم المقرن سيكون أقرب إليهم من عمرو موسى الذي لم يرو وجهه.
هل تريد التعليق؟