يتصاعد الدخان المدمع من حول مجمع النقابات، تتصدى قوات مكافحة الشغب للمتظاهرين الذين يحاولون الخروج من مجمع النقابات إلى دار رئاسة الوزراء وتعتقل عددا من المنظمين. نُقِل متظاهرون بعد إصابتهم إلى المستشفيات .. مشهد كهذا لم تنقله الفضائيات. ولم يضطر وزير الدولة لشوؤن الإعلام إلى إغلاق هاتفه حرجا من الصحافيين. على العكس تماما جال عشرات الآلاف من المتظاهرين شوارع عمان ولم يكسر لوح زجاج، استقبلت الحكومة ممثلي الملتقى الوطني للنقابات وأحزاب المعارضة, وتسلمت المذكرة التي تطالب بإلغاء معاهدة وادي عربة ،تماما كما تقدر انفتاح الحكومة وتدعو إلى “استمرار سياستكم التي انتهجتموها منذ بداية الاعتداء على اهلنا في غزة والتي تنسجم مع الدستور الاردني بضمان حق التجمع السلمي والتعبير بكل الوسائل االدستورية لمختلف قوى الشعب من أحزاب ونقابات ومؤسسات وافراد”.
قبل العدوان على غزة، وفي الاستطلاع السنوي الذي يجريه مركز الدراسات الاستراتيجية منذ 15 عاما بدا واضحا تقدير الرأي العام وقادة الرأي لسياسة الانفتاح التي اتبعتها الحكومة، وأشارت النتائج للمرة الأولى إلى” تحسن تقييم الرأي العام الأردني لمستوى الديمقراطية في الأردن مقارنة بالعام الماضي، إذ بلغ 6.7 من عشر نقاط”. وقد فسر التقدم هذا بحسب قراءة المركز: “ربما تكون قد أدت إلى هذا التحسن؛ اولاً: ساهمت الاختلالات التي رافقت الانتخابات النيابية في شهر تشرين الثاني عام 2007، وقبلها الانتخابات البلدية في شهر تموز 2007 في تخفيض تقييم الرأي العام لمستوى الديمقراطية في الأردن عام 2007 إلى 5.7 من 6.3 في عام 2006 ومثلها في عام 2005، وبهذا يكون الفرق في مستوى الديمقراطية بين عامي 2006 و2008 نحو 0.4 درجة فقط” . وقبل العدوان على غزة لاحظ المواطن أن “الحريات العامة شهدت تقدماً إجرائياً حيث قامت الحكومة بالترخيص لكثير من التظاهرات والمهرجانات السياسية، ووافقت على تحويل صحيفة السبيل الأسبوعية، وهي صحيفة المعارضة الإسلامية إلى صحيفة يومية، كما أمر جلالة الملك بمنع حبس الصحافيين”.
يتأكد مع كل استطلاع أن الرأي العام الأردني دينامكي يصعد ويهبط وفق أداء الحكومات، ولا يعادي حكومة أو يحابيها بناء على مواقف ثابتة. ولا يلعب الحظ دائما مع الحكومات ولا ضدها، فالحكومة دفعت ثمن ارتفاع أسعار المحروقات في بداية تشكيلها وهي اليوم تقبض ثمن انخفاض الأسعار. هذا ليس بيدها، بيدها أن تقنع المواطن بقدرتها على التسعير العادل. أما الحريات العامة فهي غير مكلفة ومردودها فوري. هذه الأيام تقبض الحكومة ثمن الحريات العامة ويرتاح الناس عندما يعبرون عن رأيهم على رغم مشاعر الغضب الجياشة. معطوفا على ذلك الانفتاح على حركة حماس، والحركة الإسلامية.
تنذر المواجهات الملحمية في غزة بأيام صعبة على المنطقة وهذا يتطلب مزيدا من الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن, ولا يتحقق ذلك إلا بمزيد من الحريات، وهذا يتطلب تحويل المزاج العام المنفتح إلى تشريعات وقوانين, فارتفاع مؤشر الديمقراطية لم يخفض مؤشر الخوف من انتقاد الحكومة علنا والذيما يزال 80 %. لقد قطع الأردن أطول شوط في الديمقراطية في أصعب الأيام التي مرت عليه في غضون حرب الخليج الثانية والانتفاضة الأولى. وليس صعبا قطع مسافة أطول هذه الأيام. فالمواطن الخائف هو من تخاف الدولة منه، والمواطن الواثق هو من تثق الدولة به. الثقة متبادلة وليست باتجاه واحد.
هل تريد التعليق؟