مقالات

البشير .. بطل جديد لشارع محبط

يخلع بزته العسكرية، يودع زوجته، يطلب رضا أمه، “براءة إن شاء الله” قالت أمه والدموع تنسكب على خديها. يتوجه بسيارة أجرة من دون موكب رئاسي صوب السفارة الأميركية في الخرطوم. يتفاجأ البرتو فرناندز بالطارق على باب السفارة. هل هو الرئيس الفريق عمر حسن البشير؟ يرحب به، ومن دون مقدمات يقول البشير: “أنا فاهم وأنت فاهم، لو كنت عميلا لكم لما أصدرت المحكمة قرارا باعتقالي. لا أريد تقديم طلب عمل في السي آي إيه في الوقت الضائع. ولكن أريد أن أجنب بلدي ويلات قد تترتب على مطاردتي. وبدلا من لعبة الأمم المتحدة التي لعبتموها في العراق وأفغانستان من قبل، أريد أن أختصر الطريق. وأسلم نفسي لكم مباشرة. ومن يدري فلعل المحكمة العليا عندكم تنصفني أفضل من المحكمة الجنائية الدولية”.

مع أنه أقل المشاهد سوداوية، إلا أنه غير ممكن الحدوث. فالبشير لم يخلع بزته العسكرية لشيخه حسن الترابي، ووضعه في السجن؛ حفاظا على “وحدة الصف” و”المشروع الحضاري الإسلامي”. وقاتل على جبهات الجنوب والشرق والغرب. والنتيجة أن نصلا جديدا سيتكسر على جسد السودان المثخن بالجراح.

فلا السودان سيهزم أميركا وحلفاءها، ولا هم سيقضون على نظام البشير. سيتحول البشير إلى زعيم مقاوم مطارد. كما صدام حسين والملا عمر. وفي الغضون تتفاقم مأساة دارفور بخاصة والسودان بعامة.

سيحظى البشير بتعاطف عربي وإسلامي غير مسبوق، على مستوى القادة والشعوب. يخشى القادة أن يلاقوا مصيره، فجلهم يتحسس البطحة التي على رأسه. أما الشعوب فتقف في الخندق المقابل للولايات المتحدة الأميركية. ولسان حالها لماذا البشير وليس بيريز؟ وليس بوش؟ وليس بلير؟ على ما ارتكبوه في فلسطين والعراق وأفغانستان بعد 2002. وستطرب الشعوب على التصريحات النارية التي سيطلقها البشير في المهرجانات الحاشدة. على شاكلة ما قاله الدكتور نافع علي نافع مدير المخابرات السودانية السابق: “لا نحمي سيادة السودان بالحوار ولا الاستجداء ولا بالتودد والتلطف، لكننا نحميها بالبندقية”.

مؤسف ما وصل إليه السودان. فالأصل أن تقذف إليه فوائض المال النفطي ليكون سلة غذاء العرب. لا أن يحاصر ويفتت ويدمر. يلام “المجتمع الدولي” بقيادة الإدارة الأميركية على ما يحيق بالسودان. ولا يعفي ذلك البشير الممسك بتلابيب السلطة منذ عقدين من مسؤوليته. فهو عجز عن الحفاظ على وحدة الحركة الإسلامية التي أوصلته إلى السلطة، تماما كما عجز عن الحفاظ على وحدة البلاد. وفوق ذلك ارتكب خطايا في دارفور.

يحسن أن لا ننجر وراء العواطف المعادية لأميركا وننكر ما حاق بأهل دارفور. علينا أن نتذكر أن كل سكان دارفور مسلمون، وأن الفصيل المتمرد الرئيسي الذي وصل إلى أم درمان هو امتداد للحركة الإسلامية بقيادة الترابي. وهؤلاء مستعدون لقتال الولايات المتحدة مائة عام. والمحكمة الجنائية الدولية على ازدواجيتها وتسييسها ما كانت لتنفد لولا الشقوق الهائلة في جدار النظام.

ربما تشكل الأزمة فرصة ولو في الوقت الضائع للمراجعة القاسية مع النفس. ليس لحاكم نشعر بالإهانة عربا ومسلمين معه. وإنما للشعوب غير المحصنة من لوثة العنصرية. وقبل أن ننكر تهم اغتصاب النساء الإفريقيات هل لنا أن نسأل من يقبل أن يزوج ابنه أو ابنته من إفريقي أو إفريقية؟ أليس المشروع الإسلامي هو الذي بهر مالكوم إكس رائد نضال الأميركيين من أصول أفريقية؟ وكتب مبهورا قبل عقود كيف تناول قصعة الطعام مع أبيض؟ ألم تُسِء حماقات نظام الإنقاذ لـ”المشروع الحضاري الإسلامي” الذي انقلب على حكومة منتخبة في سبيله؟.

هل تريد التعليق؟