مقالات

التجارة في الثقافة

مشكلة بعض من يشغلون وظائف رسمية أنهم يتعاملون مع الكتابة بوصفها عملية إدارية، أي عندما تكتب عن تلوث البيئة مثلا فإنك تكتب استدعاء بعنوان يحمل موضوع الشكوى. وتنتهي بطلب التكرم بقبول فائق الاحترام. الكتابة الصحافية عمل إبداعي لا يعترف بالتراتيبية الإدراية، ويتحرر من سلطان الدولة والمجتمع في آن.

كتبت مقالا عن الثقافة في جبل اللويبدة، بدأته بالتحذير من اختصار الثقافة في مؤسسة عامة أو خاصة لكن ردا من خالد خريس ابتدأ بنقيض التحذير وقولني عكس ما قلت “وخص الثقافة وفعلها في مؤسسة واحدة وتناسى عن قصد باقي المؤسسات”.

وتعرضت لنموذجين في جبل اللويبدة. أثنيت على الأول “دارة الفنون” وانتقدت الآخر بقولي: في “متنزه اللويبدة” كان ثمة مقهى عام يجلس فيه الكبار وينداح الصغار في الحديقة. اليوم أقيم جدار فيها أشبه بجدار الفصل العنصري، واستولى “البار والكوفي شوب” على الحديقة العامة. في المساء يمنع العامة من دخول الحديقة ولا يسمح إلا للخاصة بارتياد البار والكوفي شوب. وفي هذا اعتداء على حق العامة في حديقة تبرع بها مواطن لهم. فرق بين مقهى عام وكوفي شوب وبار!”

كنت أفهم أن يحتج المستثمرون على الانتقاد، وقد فعلوا هاتفيا بشكل غير مباشر عبر الصديق عماد حجاج، فمن حق أي مستثمر أن يتاجر بالثقافة بمفهومها الواسع والضيق، فثمة تجارة باللوحات الفنية والكتب والمجلات وغيرها. وكل انتقادي انصب على أمرين لا يتعارضان مع مبدأ الاستثمار: الأول منع ارتياد حديقة عامة عقب الساعة الثامنة، والثاني  وجود بار وليس مقهى عاما أي تقديم الخمور في مكان عام. وهو ما يتنافى مع القوانين الأردنية قبل أن يتنافى مع ثقافة الناس في هذا البلد. أكثر من ذلك أنا(بوصفي مواطنا لا أكثر) أرفض أن تقدم في حديقة عامة الأراجيل حفاظا على القوانين والصحة. وفي المقال أشدت بخدمات المقهى القديم وطالبت باستمرارها.

مع ذلك لم يأت الرد من المستثمرين جاء من مدير عام المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وفي الرد تحدث عن كل شيء ولم يتحدث عن الاعتراضين السالفين بشكل واضح وبما يتناسب مع دوره موظفا عاما لا مستثمرا خاصا. فالموظف العام خالد خريس مكلف بتطبيق الأنظمة والقوانين ولا أدري إذا كان يعلم أن من شروط ترخيص البار أن يقام في مكان تجاري وهو وصف لا ينطبق على حديقة عامة.

أغرب من ذلك أنه يتحدث عن ممثلي الأهالي المرتاحين جدا مما آلت إليه الحديقة بعد تأهيلها! وبموجب الدستور الأردني فإن ممثلي الأهالي هم نوابهم لا الذين يمنحهم هذه الصفة برد في مقال. وقد اتصلت بالنائب الدكتور عودة قواس ابن اللويبدة ونائب المنطقة عن المقعد المسيحي فأخبرني بعدم استشارته في الموضوع، وأنه معترض عليه وكذلك أقارب له في اللويبدة، واتصلت بجميع نواب عمان الثالثة(ممدوح العبادي أمين عمان السابق، وزهير أبو الراغب، وعبدالرحيم ملحس وزير الصحة الأسبق) والوحيد الذي لم أتمكن من الاتصال به النائب مروان سلطان، ولا أظن أنه استشير بالموضوع.

أغرب من ذلك اتصلت بالأستاذ محمد عطية رئيس جمعية أصدقاء اللويبدة، ففاجأني أنه كان في اللجنة الواردة في الرد وأنه اعترض على إنشاء البار وطلب تثبيت اعتراضه في المحضر. أما حديث خريس عن المؤسسات الثقافية في جبل اللويبدة فهو محاولة لجري إلى معارك مع مؤسسات فعلا أعتز وأفخر بالكثير منها، مثلا دار الأندى زرتها مرارا  وسجلنا فيها حلقات من برنامج “الكتاب خير جليس” وعندما تحدثت عن دارة الفنون لا يعني أني أنكر دور غيرها وفي الوقت نفسه لا يصادر حقي في انتقاد أي منها.

بقي أن أقول إن هدفي هو حماية حق العامة في استخدام مكان عام، ولست معنيا بالهجوم على “مؤسسة كان آخر ما أنجزته مثار إعجاب كل الأردنيين وغير الأردنيين” حسب الرد. هذا إجماع غير مسبوق في القطاعين العام والخاص إلا إذا كان المدير استثناني وغيري لم يكن البار مثار إعجابهم. وإن كانت الحديقة التي لم يزرعها خريس ولم يتبرع بأرضها مثار إعجابي. ولا أدعي الإجماع الكوني وأقول “كل الأردنيين وغير الأردنيين”. فالحدائق واللوحات العالمية ثمة من يعجب بها ولا يعجب فما بالك بالمشاريع التجارية، ولو كانت ثقافية.

هل تريد التعليق؟