مقالات

التحرك ضد الإجرام الصهيوني من دلاس إلى لندن

اتضحت صورة الفتى حسام الصمادي مبكرا، فحسب “النيويورك تايمز” فإن الفتى الوديع تغيرت شخصيته عقب الحرب على غزة. ووجد في فضاء الإنترنت مهربا من الضغوط الشخصية والعامة التي تمزقه. إنه الهروب إلى الأمام.

ينتقم من نفسه وينتقم لأطفال غزة ويتخلص من واقعه المرير. في غياب الأب انفصالا عن الوالدة وغربة عن الوطن يغدو بن لادن الأب الافتراضي. “أنا أحبه كما أحب والدي” هكذا أخبر وحوش الأف بي أي الذين أوقعوا به في الشبكة العنكبوتية.

وفي الدردشة التي توثقها الصحيفة الأميركية يعبر الصمادي لوحوش الشبكة عن “مشاعر الغضب بسبب الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة” متعهدا أنه “مستعد للجهاد والتضحية بنفسه”. استُغل نبل الفتى وتعاطفه مع أقرانه الفتيان في غزة، الذين غدوا نهبا للسلاح الفسفوري الذي تطلقه طائرات الإف 16 الأميركية، لعمل جنوني يضر بالقضية الفلسطينية التي يضحي من أجلها قبل أن يضر بأميركا التي وصلها “بحثا عن الحرية”.

 باختصار أراد الصمادي أن يتحرك ضد مجرم واضح الملامح هو الكيان الصهيوني، لا ضد بلاد أحبها ولاذ بها بحثا عن الحرية والحياة. وهو لم يكن يجد نفسه في تناقض مع الفتيان الأميركيين حتى في لهوهم المحرم، وفق القانون الأميركي! غير أن المؤكد أنه كان يتساءل لماذا هؤلاء يلهون ونحن نجوع ونقتل ونشرد بسلاحهم.

شخصيته البسيطة والهشة، التي تفتقر كثيرا للعلم والنضج والخبرة، قادته إلى قبول نظرية القاعدة “نضربهم في عقر دارهم”. لو كان ناضجا لتحرك ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين كما تحرك كثير من النشطاء على شبكة الإنترنت وفي ساحات المحاكم وميادين الرأي العام. أما قتال إسرائيل فقد سمح به القانون الدولي في الأراضي المحتلة وهي ساحة واسعة لمن أراد القتال والتضحية بالنفس.

في بريطانيا لم يكن متوقعا أن يلقى باراك مصير مجرمي الحرب النازيين، لكن في الحد الأدنى رُسمت صورة أقرب للحقيقة لهؤلاء المجرمين الذين يُستقبلون في العواصم الغربية والعربية. فهو مجرم حرب غزة وهو قبل ذلك قاتل مثل بجثة الشهيدة دلال المغربي وقتل أبو جهاد وعددا من قادة النضال الفلسطيني بيديه.

نصحه المستشارون القانونيون الإسرائيليون بمغادرة بريطانيا مع أن اجتهادات قانونية تقول إن له حصانة؛ وهو ما ذكر بسوابق أخرى مثل ما حدث عام 2005 عندما لم يتمكن جنرال إسرائيلي من مغادرة طائرته في مطار هيثرو بسبب قضية رفعت ضده.

وبعد حرب غزة قدمت نحو 350 منظمة وجمعية مدنية ونقابية مع عدد كبير من المحامين العرب والأوروبيين باسم “التحالف الدولي من أجل محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة” دعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية بمدينة لاهاي الهولندية ضد إسرائيل.

وفي إسبانيا، سبق أن قرر قاضي المحكمة الوطنية الاسبانية فرند لتديز المضي قدما في ملاحقة ومحاكمة سبعة من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بتهم ارتكابهم جرائم حرب ضد سكان قطاع غزة خاصة ضد قصف حي التفاح في العام 2002 والذي استهدف قائد كتائب القسام الشيخ صلاح شحادة.

ليس صراعا عربيا وإسلاميا فقط مع الإجرام الصهيوني، إنها معركة الإنسانية. ودورنا عربا ومسلمين أن نوسع دائرة التضامن مع قضيتنا، وهذا ما بدا واضحا في أثناء العدوان على غزة. دخلت القضية الفلسطينية إلى كل بيت في العالم، بوصفها قضية شعب مظلوم يتعرض للإبادة على أيدي مجرمين. وهذا نصر حقيقي علينا المحافظة عليه واستثماره بطريقة صحيحة كما في بريطانيا وهولندا وبلجيكا والنرويج وإسبانيا. لا بطريقة كارثية كما حصل في دلاس!

في الجوهر يدرك حتى وحوش الأف بي آي، أن العدوان الصهيوني هو محرك أساسي للارهاب. وكان من الممكن أن تكون القنبلة التي لم تنفجر في ناطحة دلاس قنبلة حقيقية. وبدلا من استثمار “أسباب” الإرهاب في “التوريط”، ونصب الشراك تقتضي مصلحة أميركا اجتثاث الأسباب. فهل تطلب من شاب الصلاة في حفلة ماريجوانا؟ الغريب أن الصمادي كان يحتفظ بسجادة صلاة وهو يحضر تلك الحفلات!

هل تريد التعليق؟