لم يكن بوارد الولايات المتحدة أن تحث الأردن على إصلاح سياسي، سواء في فترة صعود القوى القومية واليسارية أم صعود القوى الإسلامية. بل على العكس، لعبت دورا سلبيا كارثيا تمثل في ترويج السفير الأميركي إدوارد جرجيان لقانون الصوت الواحد العام 1993 وتبنيه له، بعد فرضه بشكل غير دستوري إثر حل مجلس النواب الحادي عشر الذي يعد من أفضل المجالس في تاريخ البلاد.
من الطريف أن ذلك القانون ساهم في “تهميش” الديموغرافيا الفلسطينية، وقلل من حضورها التمثيلي. واليوم، يُنقل عن الأميركيين رغبتهم في قانون انتخاب يراعي تلك الديموغرافيا. الجديد في تبني الأميركيين للإصلاح هو تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وبدون عبقرية، اكتشف الأميركيون، وقبل الربيع العربي، أن بن لادن والظواهري و19 من مفجري الأبراج لم يسبق لهم أن شاركوا في انتخابات وعرفوا التغيير السلمي، فجنحوا للعنف.
وقتها رد الرئيس المخلوع حسني مبارك على دعوات بوش بنظرية “الإصلاح من الداخل”. ولم نفهم نظريته حتى شاهدناه في قفص الاتهام! في الأردن كنا أكثر ذكاء، وخرجنا بمبادرات جميلة توجت بـ”الأجندة الوطنية”، ولم تكن أكثر من شراء وقت. وانتهت الأجندة إلى “سي. دي” يستعين به الباحثون في نظريات الإصلاح! مع أفول نجم المحافظين الجدد وغرق أميركا في المستنقعين الأفغاني والعراقي والأزمة الاقتصادية، صعد نجم أوباما زعيما عينه على الداخل ومنسحب من الخارج، وانتهت حكاية “الإصلاح من الداخل”، وشهدنا أسوأ انتخابات في البلدان العربية. وفي الأردن، ما نزال نعاني من التزوير في انتخابات 2007، بلدية ونيابية. وقتها، وإمعانا في نظرية المؤامرة، رحب السفير الأميركي بالانتخابات وأشاد بنزاهتها!
اليوم، تستمر “المؤامرة “وتتغير أدواتها. فإن كان تزوير انتخابات 2007 الفاضح هو رسالة لإخوان مصر ولحركة حماس بأن فوزهم لن يتكرر في الأردن، فإن نزاهة الانتخابات وعدالة قانونها هو رسالة للربيع العربي بأن أبواب الأردن مفتوحة له بصعود إسلامي مرتقب.
أميركا كانت تقدر مصالحها في كل مرة مع الأردن بوصفه الحليف الاستراتيجي والتاريخي، وليست الحكومة الأميركية محكمة دستورية ولا منظمة حقوق إنسان تقدم شهادة أخلاقية. في العام 1993 أرادت أميركا إضعاف الإخوان من أجل تمرير معاهدة وادي عربة، وبعدها كان يهمها من الأردن شراكته في عملية السلام والحرب على الإرهاب. اليوم، من مصلحة أميركا الحفاظ على الاستقرار في الأردن من خلال المضي في عملية الإصلاح.
حديث الأميركيين عن العدالة الديموغرافية في قانون الانتخاب مبني على جهل تشاركهم فيه قيادات في الدولة والمعارضة، والتعامل معه سهل. الحركة الإصلاحية الأردنية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية، تتبنى منذ العام 1993 إصلاح آلية الانتخاب من خلال العودة للأصل الدستوري ونزاهة الانتخابات. يرد على الأميركيين بالعودة إلى الأصل الدستوري العام 1952؛ في تلك السنة كانت الديموغرافيا الفلسطينية تشكل بعد الوحدة ثلثي سكان الأردن، ولأنها وحدة متكافئة بين ندين وزعت الدوائر الانتخابية مناصفة. وهذا ما أبقى “الأردن أردن وفلسطين فلسطين”. بعد فك الارتباط ذهبت دوائر الضفة إلى فلسطين وصار ممثلوها بعد 1993 أعضاء في المجلس التشريعي. إن الدولة معها الدستور وهو وثيقة تعاقدية بين مجتمعين، ومعها الحركة الإصلاحية الأردنية بتياراتها المتنوعة، قادرة على مقاومة أي ضغط من خلال العقل والمنطق، وتبيان جهل الأميركيين بالدستور الأردني وبالتاريخ الأردني. أما اللجوء إلى فئة من العنصريين لمقاومة الديموغرافيا الفلسطينية فهذا ما يُنجح المؤامرة إن كان ثمة مؤامرة. والواقع أن ثمة قوى لا ترى في الربيع العربي وما نتج عنه من انتخابات نزيهة غير “مؤامرة صهيو-أميركية”! ومن لا يصدق فليتابع تلفزيون المنار.
هل تريد التعليق؟