“قف على اليرموك واقرئه السلاما”! كم من طفل حمصي أثقل كاهل أمه وهو يعبر النهر الناضب، ولا يدري أن قبر خالد بن الوليد في حمص يلعن أعين الجبناء الذين حولوا النهر من معبر للفتح والنصر على الإمبراطورية الرومانية إلى مهرب للمستضعفين الذين تطاردهم نيران “حماة الديار” الذين تركوا العدو بالجولان وتفرغوا لترويعهم. في مشهد اللجوء المريع يشعر الأطفال بالأمان عندما يستقبلهم العسكري الأردني. ولك أن تتخيل رحلة أطفال حمص المريرة الطويلة وصولا إلى الأردن.
ظل الجيش العربي منذ انطلاق الثورة السورية يعمل فوق طاقاته في استقبال اللاجئين وبصمت وبدون منة ولا دعاية. أول من أمس فقط أزاح الستارة، ليشاهد العالم على الهواء الفارق الحضاري والأخلاقي بين العصابة والجيش. لقد شردت عصابات الأسد من السوريين في بلدهم ثلاثة ملايين ونصف، وفي الخارج قريبا من نصف مليون، وهو يفوق ما فعله الصهاينة بالشعب الفلسطيني. فدرعا البلد شرارة الثورة كان يسكنها أكثر من أربعين ألفا، اليوم يقل سكانها عن الألف. وفي المحافظة ربع مليون نازح. ليس راء كمن سمع. لا يمكن وصف طفلة لاجئة في السابعة من عمرها تحضن شقيقا ابن العامين نائمين في حمى الجيش العربي. لا يمكن وصف جندي أردني يخلع ملابسه لتضميد جريح أصابته رصاصة وهو يعبر. تلك المشاهد لا تنسى وهي توثق لنظام راحل ونظام منتظر.
من كل مناطق سورية لاذوا بنا، الرجال يقاتلون بالقليل من السلاح، والأطفال والنساء والجرحى والشيوخ يبحثون عن مكان تحت الشمس يقيهم شر النظام. لم يتعامل الأردن رسميا بعنصرية أو مصلحية مع اللاجئين، قبل إنشاء مخيم الزعتري عومل اللاجئ السوري وكأنه مستثمر خليجي، وقد أظهر الشعب الأردني قدرات غير عادية في التعامل مع الكارثة الإنسانية غير المتوقعة. وهي كارثة في اتساع، إذ إن إرهاب النظام يتفاقم مع النهايات. ويتصرف بعقلية “ضربة مقفي” ولا يحسب عواقب أفعاله، وهو يدرك أنه لن يعود ويتبع سياسة الأرض المحروقة.
في أيام الخير لم يكن النظام السوري يحمل الخير للأردنيين، وفي نهر اليرموك شاهد، فسد الوحدة تأخر أكثر من نصف قرن، وعندما أنشئ كان زبانية النظام يسرقون حصة الأردن، ولم يلتزم لا باتفاقيات ما بعد انهيار الدولة العثمانية ولا باتفاق عام 87، وظل الأردن يعض على الجرح مقابل دعاية النظام السوري أنه يسقينا الماء الزلال عندما نعطش.
انتهى نظام بشار والنظام القادم يولد بمخاض مؤلم، والأردنيون مستفيدون من زوال نظام دموي إجرامي.
ألقي منذ عام ونصف على كاهل الجيش العربي المرابط على الثغور عبء غير متوقع يتمثل في دخول أكثر من ستين ألف لاجئ سوري عبر المنافذ غير الرسمية. وهذا العبء في ازدياد، ودور الجيش العربي في القضية السورية لن يكون كما يشيع شبيحة بشار، بل كما هو في الواقع الدفاع عن حدود الوطن والدفاع عن حق الحياة للسوري والأردني. ومن لا يصدق فليذهب ليشاهد بعينيه.
هل تريد التعليق؟