مقالات

الحرب على إيران

لا يوجد زعيم عربي يحظى بتقدير وإعجاب، كما يظهر في منصات التواصل على الأقل، مثل الرئيس العراقي الراحل، صدّام حسين. وفي ذكرى الحرب العراقية الإيرانية، تجد احتفاليات تشيد بوقفه التمدد الإيراني، وبطولات الجيش العراقي في مواجهة الإيرانيين. وقد زاد موجةَ التعاطف هذه عدوان إيران على الشعوب العربية في مناطق نفوذها في سورية ولبنان واليمن والعراق، وجديدها ضرب عصب الاقتصاد السعودي، “أرامكو”، والذي تتهم به إيران. حسناً، لنفترض أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، فعل مثل صدّام، ورد الصاع صاعين، وشن حربا على إيران، ماذا ستكون النتيجة؟ لن تكون أحسن حالا مما نشاهده في اليمن. حرب ستدمر الاقتصاد السعودي، وقد تفكّك الدولة السعودية وتدمر الاقتصاد الإيراني، وتفكك إيران أيضا. بالنتيجة، ستكون حربا لا يمكن الانتصار فيها، ولو كان ممكنا لأحد الانتصار على إيران، بعمقها التاريخي والجغرافي، لكان صدّام حسين الذي امتلك قوة عسكرية وأمنية لا تتكرّر في منطقتنا.
تمر ذكرى الحرب العراقية الإيرانية كما مرت ذكرى احتلال الكويت، ويتم تمجيد لصدّام حسين ولوم للمؤامرة الأميركية، من دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه الكارثتين، ولا لومٍ للمتسبب الرئيسي بهما… ما حصل يتحمل مسؤوليته زعيم دكتاتور، كان يحمل كثيرا من النوايا الحسنة والمبادئ والإنجازات، غير أنه لم يشاور الشعب العراقي بشان الحربين المدمرتين. وما صار لم يكن انتصارا بأي شكل، ولا وقفا للتمدد الإيراني، بل هزيمة منكرة، بعد إزهاق أرواح مئات الآلاف من الشباب في العراق وإيران.
لم يتعلم صدّام من الهزيمة في إيران، وعاد من حيث بدأ، وكرّر غزو الكويت، معتذرا لإيران، وأمنّ فيها طائراتٍ حربيةً من سلاح الجو العراقي الذي قصفها قبل عقد! هكذا ببساطةٍ، تنحاز إيران للعراق في مواجهة العالم، لأن صدّام سلمها طائراته؟ هل يعقل ذلك؟ حصل ذلك، وهتفت الشعوب العربية “بالكيماوي يا صدّام”. وظنت أنه سينتصر هذا المرة على الحلف الثلاثيني، وفوقه إسرائيل التي ضربها بالصواريخ. وكأن الحدث حصل في العصر الطباشيري، لا تجد من يعتبر!
حاول صدّام في حربه استثارة الهوية العربية في الأحواز، وشكّل في المخابرات العراقية مكتبا خاصا بالأحواز، لكن ما حصل أن الهوية المذهبية، والوطنية الإيرانية، ظلتا أقوى من الجذور العربية، وصار علي شمخاني العربي الأصيل وزير دفاع نظام الجمهورية الإسلامية. والمفارقة أن السعودية عقب بدء عملية عاصفة الحزم في اليمن استدعت متقاعدي مكتب الأحواز، وشغلتهم في المخابرات السعودية لضرب إيران من الداخل، ولنقل المعركة إليها، ثم حصل العكس كما شاهدنا.
حسنا، هل المطلوب رفع راية استسلام لإيران، ومبايعة الولي الفقيه على السمع والطاعة؟ قطعا لا. وكان بإمكان صدّام أن يواجه مشروع الخميني التوسعي بدون حرب، تماما كما تستطيع الدول العربية ذلك اليوم، وتظل كلفة الحوار والمفاوضات مع إيران أقل كثيرا من كلفة حربها. نحتاج اتفاقا عربيا إيرانيا كالاتفاق النووي، يفتح آفاقا للتعاون وحسن الجوار، بدلا من العدوان والحرب. وهذا لا يعني عدم الدفاع عن النفس في ظل العدوان. مقاومة الشعب السوري العدوان الإيراني والروسي مشروعة، ولو دُعم الشعب السوري بشكل حقيقي لكان قادرا على هزيمة إيران.
في اليمن، من حق الشعب اليمني رد العدوان الحوثي المدعوم من إيران، لكن ذلك كان يتطلب دعم خيارات الشعب اليمني في دولته، لا التآمر مع المخلوع علي عبدالله صالح، وتفكيك الجيش اليمني، ثم اعتقال الشرعية، وتمرير البرنامج الانفصالي، والتسبب بأكبر كارثة إنسانية بحجة إعادة الشرعية ومواجهة إيران.
الحوار مع إيران لا يعني أن تكون مستسلما، إنه يتطلب مصالحةً مع شعبك، وامتلاك القوة لتكون ندّا في الحواروالمفاوضات. لا خيار سوى ذلك، ومهما تكن الخسائر تظل أقل من الحرب. نحتاج في ذكرى الحرب العراقية الإيرانية إلى مؤتمر سلام عربي إيراني، وإلا فإن احتمالات الحرب مع إيران تظل ورادة، وإن كانت مستبعدة، بسبب غياب القدرة، لا غياب الرغبة.

هل تريد التعليق؟