في وقت تفكر فيه أميركا بالخروج من المستنقع العراقي، يبدو من الغباء توقع شن حرب على سورية. أميركا منهكة خسرت أكثر من 300 مليار دولار في العراق وزهاء ألفين وخمسمائة جندي؛ فهل هي قادرة على خسارة المزيد؟ المؤكد لا. تكرار الحرب الأفغانية والعراقية في سورية خيار أقرب للجنون. حرب مختلفة قد تكون الخيار المنطقي. حرب بالوكالة تخوضها إسرائيل وتتكفل أميركا بتأمين الرعاية السياسية والمالية لها.
الضوء الأخضر على حرب كهذه لا يعطى في مؤتمرات صحافية، بالكاد يعرف به مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لا يتعدون أصابع اليد الواحدة. وربما يلمح للحلفاء في وقت متأخر جدا وقبيل التنفيذ أو مع الشروع فيه. السرية المفرطة التي تحكم تحركا كهذا يمكن انتهاكها من خلال قراءة ما بين سطور التصريحات العلنية وبعض التسريبات الصحافية.
خطاب مندوب أميركا في مجلس الأمن بولتن بمثابة ضوء أخضر؛ فهو لا يلحظ الانتهاكات الفاضحة للإسرائيليين في حربهم على الفلسطينيين في غزة، ولا يقلق ولا يستغرب. وهذا مفهوم، أما أن يطالب سورية بتسليم خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، فهذه تذكّر بالطلب المقدم لإمارة طالبان بتسليم أسامة بن لادن. ولملاحظة حجم التحول في الموقف الأميركي من حماس علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة، التي تطالب سورية اليوم بتسليم مشعل، تدخّل رئيسها كلينتون، بناء على طلب المغفور له جلالة الملك الحسين رحمه الله، لدى الإسرائيليين لتأمين العلاج له عقب محاولة الاغتيال، وكلينتون نفسه هو من أفرج عن الرئيس السابق للمكتب السياسي ومؤسس الجهاز العسكري لحماس موسى أبو مرزوق بعد أن كان معتقلا لدى الولايات المتحدة.
في الاستراتيجية الأميركية سورية نظام إرهابي وحماس منظمة إرهابية. هذا لا يعني أن أميركا لديها الرغبة أو القدرة على حربهما. بقدر ما ستكون غاضة بصرها أو راضية عما يحيق بهما. الإسرائيليون قادرون على دفع كلفة الحرب ضدهما. الرأي العام الإسرائيلي سيكون مع حكومته والجيش الإسرائيلي مهيأ للحرب على سورية أكثر من الحرب في غزة.
قد يكون عنوان الحرب قتل خالد مشعل ومسؤولي حماس أو اختطافهم، ذلك لن يقضي على حماس الخارج، لا بد من حرب تغير تركيبة النظام السوري من خلال إضعافه وإظهاره بأنه مستباح وغير قادر على حماية البلاد. بكسر هيبة النظام يطمح الإسرائيليون بنظام مهادن لهم يقطع المدد عن حماس. هنا يلح السؤال: أين حماس وحزب الله؟ الجواب أن إسرائيل تضرب عصفورين بحجر. فكما ضربت سورية بسبب دعمها لحماس تضرب إيران إن تحرك حزب الله. والأميركيون هم من ظل يمنع الإسرائيليين من تكرار تجربة ضربهم مفاعل تموز العراقي في إيران.
“احيانا قد تتحول الشوكة المغروزة في مؤخرتك لفترة طويلة الى التهاب حتى وان كانت شوكة صغيرة” قال مسؤول كبير في الادارة الاميركية لصحيفة هآرتس. “المؤخرة – اميركية كانت أم اسرائيلية والشوكة – بشار الاسد ونظامه- والالتهاب اصبح واضحا للعيان الان”. مدير مكتب هآرتس في واشنطن شمول روزنر، وهو رئيس تحرير سابق للصحيفة، يعلق: “سورية إذن تمثل لاميركا عبرة ويجب الاستفادة منها: من الصعب انتزاع شوكة من المؤخرة في الوقت الذي تنشغل فيه الايدي بايقاف النزف الموجود في الرأس”. الأميركيون سيكونون سعداء باقتلاع الشوكة سواء قلعوا شوكهم بأيديهم أم أراحهم منه الإسرائيليون.
الحرب لا تبدو بعيدة، بدايتها قريبة، أما النهايات فمفتوحة وقد تكون حربا إقليمية تدخل فيها بزخم إيران ولبنان حزب الله، وجماعة إيران في العراق، طبعا القاعدة لن تمارس الحياد الإيجابي! وأميركا كذلك.
هل تريد التعليق؟