يُقرأ قرار مجلس شورى الإخوان المسلمين حلَّ نفسه باعتباره رجوعا إلى القواعد بعد عواصف خارجية وداخلية هزت الحركة. وإن كان في ذلك احترام للرأي العام داخل الجماعة واختبار لمدى التفافها حول قرارات قياداتها في المراحل العصيبة، إلا أنه يظل استثناء مثل قرارات الدول بإجراء انتخابات مبكرة. فالأصل أن تتحمل القيادة مسؤولياتها ضمن المدة الزمنية التي كفلتها اللوائح وهي أربع سنوات، خصوصا أن القرارات الاستراتيجية لا تظهر نتائجها سلبا أم إيجابا على الفور.
اتخذ القرار إبراء للذمة في مرحلة تعد الأخطر في تاريخ الجماعة. وتحتاج قيادة الجماعة التي أدارت الأزمة إلى تجديد ثقة يؤهلها لمواصلة المسير في الدرب الوعر المليء بالشراك على وصف نائب الأمين العام للحزب رحيّل الغرايبة. وبمعزل عن قرار الحل يسجل لقيادة الجماعة أنها حافظت على اتزانها وتوازنها، واستقامت على خط الوسط بلا إفراط ولا تفريط.
بعيدا عن التعميم كان أمين عام حزب جبهة العامل الإسلامي زكي سعد بني رشيد معبرا عن “تشدد” في التعامل مع الضغوط التي تتعرض لها الجماعة، تجلّى ذلك في غيابه عن المؤتمر الصحافي الذي أُعلنت فيه قائمة الترشيحات. يقابله المراقب العام السابق عبدالمجيد الذنيبات الذي عبر عن “تساهل” في التعامل مع الضغوطات عبّر عنه في مقالته في “الغد” التي فاجأت الحركة الإسلامية وخصومها، فالحديث عن “إخوة يوسف” الذين ألقوه في غيابة الجب شكل تبرئة ضمنية للحكومة أو على الأقل تفريق لدم الضحية بين القبائل، واستدعى ردا علنيا من المراقب العام سالم الفلاحات في صحيفة العرب اليوم.
بين تشدد زكي وتساهل عبدالمجيد نجحت القيادة في السير على الحبل المشدود. لم تكن في مرحلة جني مكاسب. المرحلة كانت تتطلب تقليل الخسائر في ظل قصف لم يهدأ ولم يسمح للقيادة بالتقاط أنفاسها. خيار الهروب إلى الملاجئ كان اضطرارا لا خيارا، وهو يعبر عن حرص على المجموع لا على مكاسب فئة قيادية. وجاء خيار المشاركة في الانتخابات بناء على تقدير توقف القصف وضرورة الخروج من عتمة الملجأ.
لم تخطئ الحركة الإسلامية عندما شاركت ولو من دون ضمانات كافية. فذلك الخيار عبر عن رغبتها في أن تكون جزءا من اللعبة السياسية ولو بالحد الأدنى. وقد أثار القرار ارتياحا واسعا لدى الأوساط السياسية والنخب. وكشف كم للحركة من أنصار يتعاملون معها باعتبارها الرافعة الباقية للحياة السياسية التي تعرضت لضربات منهجية منذ العام 1993. وجاءت القائمة الخالية من الأسماء الإشكالية لتنزع كل الذرائع من خصوم الحركة. بالنتيجة جاءت النتيجة لتخدم تيار التشدد الذي كان يراهن على عدم جدية الحكومة في إجراء انتخابات نزيهة.
هنا لا بد من انتظار تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان باعتباره الجهة الوحيدة التي راقبت الانتخابات. وقيدَ الانتظار نتذكر تقريره عن الانتخابات البلدية. ذلك التقرير كان كافيا لإقالة الحكومة السابقة عندما اعتبر الانتخابات فاقدة النزاهة. وقال إنها شهدت “انتهاكات جسيمة” في مسار الانتخابات لصالح مرشحين معينين على حساب منافسيهم، وممارسة الضغوط المختلفة على بعض المرشحين للانسحاب لصالح مرشحين آخرين”.
وسجل المركز الوطني في تقريره حول الانتخابات البلدية في الأردن التي جرت نهاية تموز (يوليو) الماضي “أسفه” من عدم تطبيق مرجعية الانتخابات بكل أنواعها من الدستور وقانون الانتخابات البلدية لعام 2007، واللذين أكدا على المبادئ الأساسية للانتخاب وهي العمومية والسرية والانتخاب المباشر وسلامة العملية الانتخابية ومعاقبة العابثين بإرادة الناخبين. وقال المركز في تقريره إن عدم الالتزام بالمبادئ السالفة الذكر أفقد الانتخابات “نزاهتها”.
لم يحاسب أحد على الانتخابات البلدية، وجرت الانتخابات النيابية وسط احتجاجات واسعة على تقييد الرقابة. حتى بعد حصرها بالمركز الوطني. تلك الأجواء انعكست على تقييم الناخب للانتخابات قبل إجرائها. فالذين اعتقدوا أنها نزيهة بحسب استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية لا يزيدون على 54 في المائة وهي نسبة متدنية عالميا. والسؤال هل زادت أم تراجعت عقب الانتخابات؟
بيد أن الدفاع عن الحركة الإسلامية لا يعني إنكار تراجعها، فهي تراجعت نتيجة عوامل موضوعية وذاتية ولا يمكن قياس قوتها اليوم بقوتها عام 1989، ويمكن رصد هذا التراجع من خلال أصوات الناخبين أو المهرجانات والمظاهرات أو استطلاعات الرأي. نعم تراجعت وغيرها خرج من السباق تماما.
في المهرجان المركزي قبل الانتخابات والذي حضره زهاء العشرة آلاف، قال محدثي الإخواني أين هذا المهرجان من مهرجان المائة ألف؟ قلت له: في تلك الفترة كان اليسار والقوى الأخرى قادرة على حشد عشرة آلاف، أما اليوم فالإخوان قادرون على هذا العدد وغيرهم من القوى الحزبية غير قادر على ترشيح عشرة!
لم يتراجع الإخوان وحدهم. بالعودة لاستطلاعات الرأي يظهر التراجع بشكل حاد في ثقة الناس بالحكومات ومجلس النواب. وهو يأخذ شكل الانحدار منذ عقد. فإذا كانت الثقة بالحكومات تناهز الخمسين في المائة والثقة بمجلس النواب قلّت عن الخمسين في المائة، هل نحن بخير؟ انهيار السوق المالية ليس مبشرا لأي شركة في السوق والشركات الصغيرة تخرج من المنافسة والكبيرة تكاد تعلن إفلاسها.
على الحركة الإسلامية ألا تعلن إفلاسها، ربما يتوقف الانهيار.
هل تريد التعليق؟