لم يحبط أنصار الحركة الإسلامية وحدهم، وهم يشاهدون الحركة توشك على التفكك، الديمقراطيون في البلاد جميعا، ومهما اختلفوا معها، كانوا يستشعرون خطورة انهيار آخر المؤسسات المدنية الفاعلة. خصوصا أن التفكك كان سيقرأ في سياق فشل استمرارية العلاقات السياسية العابرة للنهر، فبعد ضمور التيارات اليسارية والقومية لم يعد غير حزب جبهة العمل الإسلامي معبِّراً حقيقيا عن الوحدة الوطنية.
تحوَل الإحباط إلى تفاؤل حذر مع إعلان زكي بني ارشيد انسحابه من المنافسة على موقع الأمين العام للجبهة. المفاجأة السارة لا بد أن تكتمل بإنهاء حال الاستقطاب والإقصاء داخل الحركة، وتقديم أنموذج عمل في قبول الآخر داخل الفكرة الواحدة، والتعاون والتشارك بدلا من التشاحن والتنابذ، وإن نجحت الحركة في التعامل مع المختلف في داخلها ستكون قادرة على أن تتعامل مع المختلف في خارجها، وهذا هو جوهر الديمقراطية التي تقوم على الاختلاف لا التماثل، وعلى حفظ حقوق الأقليات لا اجتياح الأكثريات.
وفي موقفه الذي أعلنه في موقع “البوصلة” (القريب من الأوساط الإخوانية)، أرجع بني ارشيد انسحابه إلى “المبادئ السامية للفكر الإسلامي الشوري الوحدوي المستمد من قيم الفضيلة والتجرد ونكران الذات وذم الأنانية والاستحواذ والظلم والاستبداد والفجور في الخصومة وتقديس هيبة ومرجعية المؤسسة وإنفاذ قرارها، وفي سبيل وحدة الحركة الإسلامية وتعزيز استقلال قرارها وصيانة تماسكها، ومن أجل التصدي للدور الإصلاحي النهضوي الذي تنبري له الحركة لصالح مجتمعنا الأردني وخدمة لأهداف الأمة وفي مقدمتها التصدي للأطماع الصهيونية العنصرية العدوانية”.
وعنون بيانه بالآية الكريمة “لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”. وهي ذات الآية التي عنون بها سالم الفلاحات، المراقب العام السابق والمرشح المنافس لزكي سابقا، بيانه الذي أعلن فيه انسحابه من أي منافسة “إنني أسحب نفسي من مجرد التفكير بإشغالي موقع الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، حتى لو جاءني ذلك على توافق وتفاهم، ولو اجتمع عليّ ضغط الإخوان الذين أحبهم، سيما وقد وجدت أن الله اختار لي الخير، وهو الذي طالما دعوته وطلبته أن يجعل لي مخرجاً وله الفضل والمنة”.
وفي البيان، دعا زكي إلى الانسحاب “وماذا لو أصبحت أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي على أشلاء وحدة الجماعة، وعلى خلاف ونزاع تدمى له قلوب الإخوان والمحبين، وتكتب سطرا في صفحة تاريخ هذه الدعوة وتلقى الله على ذلك”.
قوة الحركة الإسلامية ليس في عديد أصواتها وتصدرها للمواقع المنتخبة بقدر ما هو في التزامها بالقيم العليا التي يفترض أن يُضحّى لأجلها لا أن يضحى بها.
هل تريد التعليق؟