مقالات

الخائفون من الدولة الكردية

يُربط التقسيم مباشرة بالمشروع الصهيوني، ورغبة الدولة العبرية في تفتيت المنطقة. وقد ظل التعامل مع القضية الكردية، لدى كثير من النخب العربية، باعتبارها جزءا من تآمر الاستعمار والصهاينة. وعلى افتراض صحة ذلك، فإن دول المنطقة، وعلى رأسها العراق وسورية، لم تقدم أي مقاومة للمؤامرة؛ على العكس، هي فرضت على الكرد كل الأسباب التي تدفعهم ليس إلى الانفصال، بل ومعاداة العرب.
ما أنجزه نظام البعث في البلدين من قاعدة متينة للتقسيم والانفصال، لا يعفي دولة “الخلافة” التي أعلنها البغدادي مؤخرا، من مسؤولية وضع المسمار الأخير في نعش ارتباط الأكراد بالمركز في بغداد. قبل ذلك، كان حزب البعث قد أنجز جزءا مهما من التقسيم باسم العروبة، ليكمل نوري المالكي المهمة باسم الطائفة. وفي سورية، حُرم الأكراد حتى من حقهم في الإحصاء السكاني، من خلال ما عرف بـ”الإحصاء الظالم”، وأكمل بشار مهمة الوالد من خلال فصل مناطقهم وتشجيعهم على الانفصال بعد الثورة. هذا مع أن الأكراد ظلوا تاريخيا جزءا من النسيج الوطني السوري، وكان منهم رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي، كما منهم علماء اللغة العربية والشريعة.
بمعزل عن مسؤولية من، فإن ميلاد الدولة الكردية صار حقيقة. وعلينا، عربا ومسلمين، احتضان هذا الدولة لتكون صديقة وقوية، ومصدرا للتعاون والشراكة والجيرة؛ لا أن تكون مسمار جحا لإسرائيل. فقد حاولت إسرائيل تاريخيا اللعب على مآسي الأكراد وأشواقهم، لكنها لم تتمكن من اختراق الوجدان الشعبي الكردي، وظلت العلاقات معها في إطار من “السرية” وعدم الرسمية. وأن تكون تركيا عمقا استراتيجيا للأكراد، خير من أن يكونوا قنطرة لإسرائيل.
رغب الأكراد تاريخيا في الانفصال عن دولهم. وأول جمهورية لهم كانت “مهاباد” في إيران، وكان الملا مصطفى البرزاني وزير الدفاع فيها. وهم إلى اليوم يرفعون علمها، لكنهم اضطروا للتكيف مع الدول التي ظلوا جزءا منها، في العراق وسورية وإيران وتركيا. وحينا تقدمت مغريات الاتصال، وأحيانا تقدمت أشواق الانفصال بناء على ظروف كل بلد.
في العراق، منذ حرب الخليج الثانية، وبعد الهجرة المليونية للأكراد الذين طاردتهم حملات الأنفال التي قادها عزت الدوري، فُرضت دولة أمر واقع -من خلال قرارات مجلس الأمن ومناطق حظر الطيران- لا يستطيع نظام صدام دخولها. وبعد ربع قرن، أثبت الأكراد أنهم أقدر على إدراة شؤونهم من العرب، شيعة وسنة. ومن زار إقليم كردستان الذي ظل تاريخيا محافظة عراقية وزار بغداد، يدرك الفارق. وبعد الاحتلال الأميركي، تحول الإقليم إلى جاذب لكل النخب العراقية من كل الطوائف، في ظل نظام طائفي يقوده نوري المالكي.
الخائف الأول من دولة الأكراد هو المالكي الذي يشعر أنه الزعيم العراقي الذي فشل في الحفاظ على وحدة العراق، وخسر ربع سكانه. وإيران تدرك أيضا أن شبح جمهورية “مهاباد” يلاحقها. أما بشار فليس لديه ما يخسره، ويرى في الدولة الكردية مقدمة ضرورية لدولة الساحل التي تشكل الملاذ الأخير له. وتركيا رتبت أمورها مع الأكراد، وترى أنها جسرهم إلى أوروبا والعالم، والعامل الطائفي المذهبي يعمل في صالحها.
للتاريخ، مبنى البرلمان الكردي الذي عقدت فيه جلسة قانون تقرير المصير، بناه صدام حسين الذي اجتمعت في شخصه شخصية رجل الدولة الذي يدرك شوق الأكراد للتعبير عن هويتهم وحاول ربطها بمشروع الدولة القومية الحديثة، كما أنه هو نفسه الذي ارتكب أبشع المجازر بحقهم؛ سواء في حلبجة أو عبر حملات الأنفال.
السؤال الكبير الذي على العرب أن يسألوه لأنفسم: ما الذي يغري الأكراد حتى يرتبطوا بهم؟

هل تريد التعليق؟