مقالات

الخليج و”الإخوان”

في أحسن الأحوال، يمكن وصف ما يتداوله الإعلام عن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، بأنه تعبير عن رؤية استشراقية غريبة عن المنطقة، غير عارفة بها.
فالخلاف الراهن بين الدوحة وبين كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة، هو خلاف سياسي، ناتج عن لحظة “الربيع العربي” وتداعياتها، وليس خلافا أيديولوجيا أو ثقافيا بين إسلامي وعلماني. والاستقطاب الحاد إن كان يعمي عن الحقائق، فإنه لا يلغيها. وموجة العداء للإسلاميين هي صناعة إعلامية، وليست من طبائع المنطقة بعامة والخليج بخاصة. لكن لم يبق، جريا وراء هكذا إعلام، إلا الدعوة إلى تطبيق قانون حافظ الأسد رقم 49، والقاضي بإعدام كل من انتسب لجماعة الإخوان المسلمين، وبعدها يعود الوئام إلى الأسرة الخليجية الواحدة.
القصة ليست الإسلاميين بعامة. المقصود هو الإخوان. فالسعودية لها إسلاميوها، مثل حزب النور في مصر، وكثير من الفصائل السلفية المقاتلة في سورية؛ كما لها مشايخ ومراكز إسلامية ملء السمع والبصر في معظم دول العالم. والإمارات كذلك، وقد خصصت قنوات وبرامج للشيخين الكبيسي والجفري. وهي اليوم تتبنى الداعية عمرو خالد بعد تأييده للانقلاب، وهو كان مطاردا أيام حسني مبارك، محسوبا على الإخوان.
ويحدثونك عن الشيخ يوسف القرضاوي، وكأنه استُدعي على عجل لغايات “الربيع العربي”! والقرضاوي هو من شيوخ الأزهر الأعلام، وبسبب اضطهاد جمال عبدالناصر غادر إلى قطر، كما غادر كثيرون غيره إلى السعودية والإمارات والكويت وأميركا وأوروبا. واستفاد الشيخ القرضاوي من وجوده في قطر، كما استفادت هي أيضاً.
في أثناء استضافة الشيخ في قطر، لم تكن أبواب الخليج موصدة في وجه الإخوان. فتحت السعودية مؤسساتها وإعلامها وجامعتها ومدارسها لهم، وكانت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة أشبه بشعبة للإخوان. كما كان الشيخ محمد محمود الصواف، مؤسس الإخوان في العراق، المبعوث الخاص للملك فيصل. الأهم من ذلك أن جدة كانت المقر الأول لقيادة “حماس” في الخارج.
في الإمارات لم يكن الوضع مختلفا. فيها أقام المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية عدنان سعد الدين، وكان من رجالات التربية والتعليم هناك. فوق ذلك، كان إخوان الإمارات جزءا أصيلا من المجتمع، وكان الدكتور سعيد عبدالله سلمان، وهو من قياداتهم، وزيرا في أول حكومة بعد إعلان الاتحاد. وقد ظل لسنوات وزيرا للتربية والتعليم والشباب، وسفيرا في باريس و”اليونسكو”. وأول مقر لجمعية الإصلاح في الإمارات تبرع به الشيخ راشد آل مكتوم حاكم دبي.
أما الكويت، فكانت رائدة بديمقراطيتها التي استوعبت التيارات الإسلامية؛ إخوانية وسلفية، بالإضافة للتيارات القومية والليبرالية واليسارية.
قصارى القول، وبمعزل عن أي خلاف سياسي: الإخوان جزء أصيل من المجتمعات العربية والخليجية. وإن كان خطأ جنوحهم نحو الهيمنة والاستحواذ، فإن الخطيئة في إقصائهم؛ فالقضية هي حق تيار فكري وسياسي في الوجود، وهذا جوهر الديمقراطية؛ الحق في الاختلاف لا الإجماع. وهذا درس يمكن استخلاصه من قانون 49 في سورية!.

هل تريد التعليق؟