منذ الأيام الأولى للانقلاب، سرب العسكريون لوكالة رويترز أخبارا أن من دوافع انقلابهم موقف الرئيس محمد مرسي تجاه سورية. وخصوصا في المهرجان الجماهيري الحاشد الذي حضره. وبالفعل بعد الانقلاب تحولت السياسة المصرية مئة وثمانين درجة، سواء على المستوى السياسي أم الإنساني. فالخارجية المصرية والجامعة العربية واحدة من أذرعها تحولت من أداة لضرب النظام الإجرامي في دمشق إلى درع للدفاع عنه إقليميا وعالميا. حتى عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي، وأصدر رئيس مجلس حقوق الإنسان في الجامعة إدانة، بادر نبيل العربي إلى رفض الإدانة واعتبرها موقفا يعبر عن رأي شخصي لرئيس المجلس. وهو ما فعله في الموقف من مجزرة رابعة. واليوم تنشط المخابرات المصرية بين الأميركيين والنظام السوري باعتبارها وسيطا مقبولا. في سعي محموم للتخفيف من وقع الضربة الأميركية المتوقعة. وفي الوقت الذي تلقى فيه هذه الوساطة استغرابا أميركيا تلقى ترحيبا سوريا. فنظام بشار، وحسب ما يؤكد رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، لم تنقطع علاقته بالمجلس العسكري الحاكم في مصر بعد سقوط مبارك. <br/> <br/> ليس لمصر الانقلاب ما تقدمه لسورية غير الإضرار بالشعب السوري. لقد عاش السوريون فترة ذهبية في مصر على مستوى سياسي وإنساني، وبعد الانقلاب صاروا ، كما الفلسطينيين، عرضة لحملات من التشويه والاستهداف، وأغلقت البلد في وجوههم، وتعرضوا للتنكيل والطرد والاعتقال. وهذا لم يكن ردة فعل عفوية بل في سياق سياسة منهجية للانقلابيين تتحالف عميقا مع نظام بشار، وتحاول ما أمكن محاصرة الثورة السورية وإطالة عمر بشار. واليوم لا يدخر المسؤولون في مصر الانقلاب وسعا، في تحذير حلفائهم الأميركيين من عواقب الضربة، وتحاول التخفيف من آثارها بحيث تكون رمزية، لا تطيح النظام. وهذا هو الموقف الإسرائيلي الذي كشفته النيويورك تايمز أمس “دعهم ينزفون حتى الموت”، فلا مصلحة إسرائيلية في إطاحة بشار وقيام نظام ديموقراطي. <br/> <br/> المفارقة، أن الداعم الأول للانقلاب هي السعودية، وهي تفاخر بما حصل في مصر، وهي اليوم تقود الجهد الداعم للثورة السورية عسكريا وسياسيا. والسؤال، لماذا لا تضغط على السيسي من أجل ضمه للتحالف ضد النظام السوري؟ خصوصا أن نظام السيسي يعتمد بالكامل على الدعم المالي السعودي والإماراتي، ولا يمكن أن يدخل في مواجهة مع الخليج. الجواب، حسب ما يرى خبير سعودي في حكومة بلاده، بأن تركيبة الدولة في السعودية مختلفة تماما عن مصر. فهي دولة تعتمد على أبوية الملك، ولا توجد بيروقراطية فاعلة تتحرك على مستويات سياسية وعسكرية بالغة التعقيد والتداخل والتناقض. ثمة “فزعة” لتنفيذ إرادة الملك بدعم الثورة السورية بشكل كامل، وقد تم ذلك من خلال استلام الأمير بندر للملف وتمكنه بفترة قصيرة من تحقيق وضع دولي مختلف، وأعاد تركيب الائتلاف برئاسة جديدة. أما ضم مصر للتحالف فتلك لم تكن أولوية. والموقف المصري ليس مؤثرا، ولديه هامش مناورة مع تحالفه مع السعودية. وبنظر الخبير فإن السعودية إن اضطرت فستقلب الموقف المصري مئة وثمانين درجة. وهو إن عاد إلى الموقف السابق قبل الانقلاب على مرسي فلن يؤثر كثيرا بالمعادلة. <br/> <br/>في سورية، ليس أول مفارقة: كيف يدعم الخليج السيسي وكيف يدعم بشار، قبله كانت مفارقة: كيف يدعم بشار المقاومة وكيف يدعمه نتنياهو. ليس صحيحا القول إن الموقف المصري ليس مهما، فلا دولة مهمة عسكريا مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية، لكن وقوف مصر الانقلابية مع الثورة السورية، يخدم الموقف السياسي، وما لا يقل عنه أهمية الوضع الإنساني للاجئين السوريين في مصر، الذين تحولوا إلى رهائن. تستطيع السعودية أن تغير موقف السيسي، وهذا ليس مستبعدا، وليس مؤكدا. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/> <br/> <br/>الغد</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟