يُحتفل الأسبوع المقبل في مبنى مجلس النواب القديم بذكرى ستين عاما على كتابة الدستور الأردني، وهي فرصة لإشاعة الثقافة الدستورية التي تآكلت لصالح ثقافة منكرة للدستور، سواء من اتجاهات موالية تعتقد أن النظام فوق الدستور، أو اتجاهات معارضة ترى أن أيديولوجياتها الفكرية، إسلامية أم قومية أم يسارية أم عنصرية شوفينية، فوقه أيضا.
من الأخطاء الدارجة في بلدنا عدم احترام المكان؛ فترى مبنى مجلس النواب القديم الذي شهد المخاضات الكبرى في البلاد، يتحول إلى مكتب تابع لوزارة الإعلام الملغاة. فقد شهد هذا المبنى ولادة المملكة ودستورها ووحدة الضفتين والاتحاد الهاشمي، وفيه تشكلت أول حكومة نيابية، وأُسقطت حكومات بحجب ثقة نواب الشعب عنها. كان الأصل أن يظل المبنى على حاله، ففي بريطانيا التي شهدت ميلاد أول مجلس عموم في التاريخ البشري، ما يزال النواب يجلسون في مقاعد تشبه مقاعد السيارات العمومي ولا ينتقص منهم ذلك. عندنا تتبدل كل المباني المهمة بلا رقيب ولا حسيب.
يعكف الباحث الدكتور محمد المصري على دراسة نقاشات الدستور الموثقة في الجريدة الرسمية، وفيها تظهر عظمة الآباء المؤسسين للبلاد؛ فتجد أنهم قرؤوا الدستور الأميركي والصيني وغيرهما في سجالاتهم، ومن أهمها موضوع الهوية الوطنية. فقد ولدت المملكة من وحدة شعبين لهما هوية وطنية. كان السؤال الكبير: كيف تدخل الهوية الفلسطينية في الدستور؟
تلك النقاشات ترد على كذبة “التوطين”، وهي مصطلح عنصري لبناني تم استيراده إلى الأردن. فالفلسطيني كان يخشى على هويته، وطالب نواب الضفة صراحة بأن ينص عليها. وكان من المخارج أن يسمى الملك بملك الأردن وفلسطين. وطالبوا بأن يضمن الدستور قرارالوحدة الذي ينص على النضال من أجل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واستشهد بالدستور الصيني الذي ينص على النضال من أجل تحرير ما تبقى من الصين ووحدتها. رد توفيق أبو الهدى بأن ذلك يصطدم مع المعاهدات والواقع الدولي، والحل كان بـ”العروبة”، فالأردن جزء من الأمة العربية.
الذين يطالبون بـ”دسترة فك الارتباط” حقق مطلبهم توفيق أبو الهدى، فلا نص في الدستور على القدس أو الضفة الغربية، وفك الارتباط أصبح واقعا مثل ترسيم الحدود مع المملكة الحجازية التي كانت معان والعقبة جزءا منها، أو مثل خروج بدو الشرارات من قانون الإشراف على البدو وانضمامهم إلى السعودية.
من يحرم أردنيا من مواطنته بسبب قرار فك ارتباط أسوأ ممن يجنس مواطنا لا يستحق. وتلك الأكاذيب حول الملايين القادمة من سورية ومن لبنان ومن غزة يروج لها عنصريون يعرفون جيدا أن موضوع الجنسية لم يكن يوما لعبة، والقاعدة فيها التشدد. والحالات التي ظلمت كانت نتيجة تشدد وليس نتيجة سياسة تحرم الأردني من أصل فلسطيني من جنسيته.
لقد فصلت دوائر الضفة الغربية أرضا وسكانا، ولا أحد يطرح إعادة الجنسية لهؤلاء، ولم يخرجوا مظاهرات يوم نزعت عنهم ولا اليوم يخرجون. أما الفلسطيني في الضفة الشرقية فهو شريك الأمس واليوم والغد، ولو عاد إلى حيفا فيعود إلى وطنه وله كامل الحق في أن يحتفظ بجنسيته أو يتنازل عنها. إن قرار الوحدة الذي سبق الدستور وسبق فك الارتباط بالضرورة ينص على حقوق الشعب الفلسطيني في الجزء المغتصب العام 1948. والأردن منذ العام 1950 هو وطن له، وهو شارك في كتابة دستوره وإقراره، وإلى اليوم ما يزال جزءا أساسيا وحيويا من كيانه السياسي. المواطن لا يحتاج إلى توطين، واللغة العنصرية التي سعرت الحرب الأهلية في لبنان ولم يزل جمرها تحت الرماد، لا مكان لها في دستورنا الذي يجمعنا أردنيين عربا.
هل تريد التعليق؟