فقد المجتمع الأردني كثيرا من رشده واتزانه، وانزلق كثير منا إلى هاوية التطرف، وصار للخطاب العنصري حضور مؤثر؛ سواء على أسس دينية أم إقليمية أم جهوية أم عشائرية. ولذلك أسباب كثيرة ومعقدة، تحتاج دراسة وتدقيقا. والمؤكد أن تعثر الإصلاح السياسي عامل أساسي. <br/>مقابل الهويات الفرعية التي تستقي الدم في الجامعات وملاعب كرة القدم، التي تتقزم فيها الدولة إلى بلدة أو محافظة أو طائفة أو نادٍ، يتم تجاوز الدولة لدى آخرين، وتمحى حدودها وقوانينها بممحاة ساحات الجهاد. <br/>من الصعب إقناع فتى لا يعرف مكتبة الجامعة ولا يدخل مختبراتها، أن الهوية الوطنية أكبر من حدود مضارب عشيرته، وإن دمه أثمن من أن يراق في سبيل مجد لا يدري عنه غيره. <br/>لأن لا أحد يدرس أو يدقق، وعلى الأقل لا توجد دراسات منشورة حول الظاهرة، فإنه يمكن التدقيق في محافظة معان، حيث قضى نحو عشرين من شباب المدينة في ساحات الجهاد في سورية، وهو يعادل من قضى في مواجهات عشائرية بينية داخل المحافظة أو مع الأجهزة الأمنية. <br/>من يذهب طلبا للموت، لا ترهبه قوانين مكافحة الإرهاب، ولا الملاحقات الأمنية ولا العقوبات القاسية. يمكن فتح حوار جدي معه على قاعدة تقدير مشاعره ونواياه وأفكاره. وينطبق هذا على العنف المغرق في المحلية. فنصرة الشعب السوري فريضة شرعية وواجب إنساني، لكنها تتم وفق خطة عامة تخدم الشعب السوري ولا تضر به. وفي النهاية، خدمت “الدولة الإسلامية” النظام السوري أيما خدمة، عندما بدلت صورته في العالم من نظام إرهابي وراع للإرهاب إلى ضحية له ومحارب له. <br/>كان يمكن للشباب الأردني الذي أرقته جرائم النظام في سورية، أن يخلف المجاهدين السوريين في أهلهم، ويسهم في رعاية أطفالهم وجرحاهم ويصون أعراضهم. وعليه أن يدرك أن جيلا كاملا من السوريين معرض للضياع بسبب الجهل والمرض، وأن في سورية من يقاتل النظام ويحتاج إلى من يرعى أطفاله. <br/>والاشتباكات المناطقية والهوياتية يمكن كذلك الحوار حولها. فمن يعتقد أن منطقته محرومة من الامتيازات الوظيفية، لا بد من سرد الأرقام له؛ من موازنات بنية تحتية إلى وظائف قطاع عام واستثمارات قطاع خاص. ولا بد من توعية بتاريخ منطقته وبلده، وأن الدولة هي بيته الذي يؤويه وإن ضاق به أو ضن عليه، وليس عشيرته التي لا تمتلك وظائف ولا مقدرات. <br/>يبقى العنف موجودا في كل إنسان وكل مجتمع. والنجاح هو في الحد منه ما أمكن، لا صب الزيت على ناره. والحوار باعتباره واحدا من خراطيم المياه التي تطفئ العنف، ليس ندوة تلفزيونية، بقدر ما هو حالة صحية يعيشها الفرد والمجتمع؛ تبدأ بالشفافية مع النفس والآخر. وعندما تكون الأفكار والمشاعر واضحة وغير مظللة ولا مخادعة، يمكن أن ينشأ حوار جدي. <br/>لنستمع جيدا لمن يرى أن هويته تعبر عنها “الدولة الإسلامية”، تماما كما نستمع لمن يرى أن هويته في حدود مضارب العشيرة، ولنفهم لماذا لا يؤمنان باختراع “الدولة الحديثة” التي من ملامحها احتكار العنف، واستخدامه في إطار القانون. <br/>لدينا قطاع واسع من الشباب يكفر بالدولة الحديثة، ويؤمن بما فوقها وما دونها من أوهام لا وجود لها. حقيقة، لا يمكن أن يوجد المعتصم ولا خلافته ولا امرؤ القيس ولا عشيرته، ولو خرجا من قبريهما؛ فنخوة المعتصم ستصطدم بموازنة لا تسمح بشن حرب، أو مجلس نواب يرفض تفويضه بشنها، وامرؤ القيس كذلك ستوقفه أول دورية شرطة أو نقطة حرس حدود. <br/>يمكن إقناع الشباب بالإيمان بهذا الاختراع، لأنه ببساطة لا بديل له. <br/>الغد</p></div></h4> |
هل تريد التعليق؟