إذا استمرّت وتيرة استطلاعات الرأي كما هي، وجديدها استطلاع صحيفة نيويورك تايمز أول من أمس الثلاثاء، فإن الرئيس ترامب سيغادر البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وبذلك يكون الناخب الأميركي قد عاقبه على أدائه البائس في أهم قضيتين تؤثران عليه، فيروس كورونا وتعامل الشرطة العنيف مع الأميركيين من أصول أفريقية.وبحسب الصحيفة الشهيرة، أخذ المنافس من الحزب الديمقراطي، جوزيف بايدن، زمام القيادة من ترامب في سباق 2020، حيث بنى ميزة “واسعة النطاق بين النساء والناخبين غير البيض، وحقق تقدمًا عميقًا مع بعض الجماعات ذات الميول الجمهورية التقليدية التي تحوّلت بعيدًا عن ترامب، لعدم فعاليته في الاستجابة لكورونا”. وتضيف “يتقدم بايدن حاليًا على ترامب بـ 14 نقطة مئوية، ويحصل على 50% من الأصوات مقارنة بـ 36% لترامب. والذي ظل رئيسًا لا يتمتع بشعبية طوال فترة رئاسته تقريبًا. لقد بذل جهودًا قليلة، منذ انتخابه في عام 2016، لتوسيع دعمه إلى ما وراء القاعدة اليمينية التي دفعته إلى منصبه. ولكن من بين شريحة واسعة من الناخبين، تعمّقت الكراهية لترامب، حيث فشلت إدارته في وقف مرضٍ قاتلٍ شلّ الاقتصاد، ثم رد على موجةٍ من احتجاجات ضد العنصرية بموجة غاضبة وتهديدات عسكرية”. والصورة السائدة التي تبرز من الاستطلاع، بحسب “نيويورك تايمز”، أن أميركا “مستعدة لرفض رئيس تعتبره أغلبية قوية من الناخبين فشل في أهم الاختبارات التي تواجه إدارته”.
وبما أن المواطن العربي يتابع عن كثب الانتخابات الأميركية، فإنه سيكون سعيدًا بمغادرة ترامب البيت الأبيض، لأسباب خمسة أخرى: موقفه المنحاز لسياسة نتنياهو المتطرفة في ضم أراضي الضفة الغربية والجولان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. انحيازه للطغاة العرب، وخصوصًا في قضية جمال خاشقجي التي وقف فيها مدافعًا عن محمد بن سلمان، على الرغم من الإدانة الواسعة للأخير في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي أي أيه) والكونغرس، فضلًا عن النخبة الأميركية في الإعلام ومراكز البحث. ينسحب ذلك على علاقاته الوثيقة مع محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي ومن شاكلهما. تسببه في أزمة الخليج في موقفه المنحاز في بدايتها لدول الحصار. ومع أنه حاول إصلاح الموقف، والضغط على تلك الدول لرفع الحصار وإنهاء الأزمة، إلا أن الضرر كان قد وقع، وصارت تلك الدول في موقف يصعب عليها التراجع. وفي المجمل، نجح في تخويف دول الخليج من بعضها وابتزازها. إصراره على تزويد السعودية والإمارات بالسلاح في حربهما على اليمن، على الرغم من مواقف الكونغرس، وعشرات التقارير الدولية التي تؤكد ارتكابهما جرائم حرب بحق المدنيين اليمنيين. موقفه اليميني المعادي للعرب والمسلمين عمومًا في قضايا الهجرة والإسلاموفوبيا، ولعل ما كشفه مستشاره السابق للأمن القومي، جون بولتون، في كتابه أخيرًا، عن موافقته الرئيس الصيني في موقفه من معسكرات اعتقال الإيغور دليل على نظرته المتخلفة إلى الإسلام.
لو كان للعرب والمسلمين صوتٌ في الانتخابات الأميركية، لكانت غالبيتهم العظمى مع بايدن، ليس قناعة به، بقدر ما هو رفض لترامب، وهذا حال الأميركيين الذين يفتقدون الحماس لبايدن، لكنهم يفضلونه على ترامب. وفي المقابل، يتمنّى محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي وخليفة حفتر لو بإمكانهم تزوير الانتخابات، حتى لا يغادر البيت الأبيض، فذلك بحقّ يوم أسود عليهم، فالحماية التي وفرها لهم سيد البيت الأبيض هذا من سي آي إيه والكونغرس والقضاء والإعلام ستختفي. لن يتحوّلوا إلى أعداء للولايات المتحدة، بل سيبقون حلفاء، لكنهم سيخضعون للمحاسبة والمساءلة والتوبيخ، وستُلجم نزواتهم العدوانية تجاه دول المنطقة وتجاه شعوبهم، وسنجد سلوكًا آخر منهم.
ستكون العلاقة الأميركية مع إسرائيل، كما نسجها ترامب، الأقل تضرّرًا بخروجه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، باستثناء موضوع ضم أراضٍ فلسطينية والتخفيف من غلواء نتنياهو الذي سيغير سلوكه أيضًا مع الساكن الجديد. ولكن الفرحة الكبرى ستكون في طهران التي ستعود إلى اتفاقها النووي مع واشنطن، وستجد متنفسًا اقتصاديًا وسياسيًا.
هذا كله إذا لم تحدث مفاجأة قبل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، تغيّر مزاج الناخبين الأميركان، ويبقى ترامب في البيت الأبيض، وتبقى كوارثه في الولايات المتحدة والعالم.
هل تريد التعليق؟