عندما ترتفع أسعار النفط، أو يقام مهرجان ترفيهي، أو يقوم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بزيارة خارجية، يكون جزء من خلفية الخبر جريمة الاغتيال المروع للكاتب جمال خاشقجي. وأصبح محرّك البحث في الإنترنت يربط بين منشار العظم وولي العهد تلقائيا. ولا غرابة في ذلك، فالجريمة غير المسبوقة في التاريخ الإنساني عبّرت بدقة عن هوية العهد الجديد في السعودية، طيشا وتهورا ووحشية ودموية، ولم تفلح كل محاولات النأي به عن الجريمة، وتلبيسها لنائب رئيس الاستخبارات، أحمد عسيري. ويبدو أن مسؤول فرقة النمر المخصصة للخطف والاغتيال في طريقه إلى البراءة، بعد نشر مغرّدين محسوبين على محمد بن سلمان صورة له محتفلا بتخرج ابن شقيقه طيارا حربياً.
وقبل نشر صور العسيري، سربت الصحافة الأميركية، نقلا عن مصادر استخبارية، أن المتورّط الآخر، سعود القحطاني، الذي يتربع على رأس قائمة العقوبات الأميركية لدوره في اغتيال خاشقجي، لا يزال على تواصل سري مع ولي العهد، وزار أبوظبي. في ظل ذلك كله، جاء خبر استهداف الناشط الفلسطيني، إياد البغدادي، اللاجئ إلى النرويج، ليزيل أي فرق بين الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي وولي العهد السعودي، فكلاهما من أصحاب الرؤى الثورية والتغيرية، سواء سميت كتابا أخضر أم رؤية 2030، وكلاهما يعتمد العنف والوحشية اختطافا واغتيالاً وقتلا وتعذيبا في التعامل مع الخصوم والدماء في السياسة الخارجية والداخلية. ومن حيث الشكل كلاهما أخضر.
لا يختلف التعامل الدولي مع محمد بن سلمان عما كانه مع القذافي، فالغرب يتعامل مع كل منهما كصاحب محطة وقود، لا يهمك شخصه أو أخلاقه، المهم أن تعبئ سيارتك من عنده، متى احتجت، بالسعر المناسب. ولم يكن القذافي ليغيب عن منتدى دولي، أو قمة عربية، ولم يعان العزلة، حتى في أوج الحصار الذي ضُرب عليه. وفي آخر سنواته، أعيد تأهيله تماما، وغُفر له ما تأخر من جرائم وإرهاب. ولولا ثورة فبراير لوجدناه يلتقط الصور مع ترامب مصحوبة بأرقام الصفقات البليونية.
بعيدا عن أماني القانون الدولي، وثقافة حقوق الإنسان التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية، يتعامل العالم بواقعيةٍ مع مرتكبي الجرائم الشنيعة. وفي النهاية، لا أحد يحاسبهم غير شعوبهم، لم يُعتقل القذافي ولا عمر البشير ولا بشار الأسد ولا غيرهم بقوة من شرطة محكمة الجنايات الدولية، وهذا لن يحدث مع محمد بن سلمان أيضاً.
مقابل العجز عن محاسبة المجرمين، نجح المجتمع الدولي بواقعيةٍ في لجمهم، والحد من جرائمهم نسبياً، وتيقنوا أن لجرائمهم حدوداً في إطار سيادة دولهم. توقف القذافي عن إرهابه الخارجي، وكذلك حافظ الأسد في آخر عهده، ومحمد بن سلمان في بداية عهده.
شكلت قصة الناشط الفلسطيني ضربة قاضية لفرقة النمر، فهي تحت رقابة وكالة الاستخبارات الأميركية، وهي لن تكرّر خطأها في التكتم على التهديدات التي لا تخصّ مواطنيها، فبلغت، بحسب صحيفة الغارديان، السلطات النرويجية التي أحبطت التهديد. للأسف، لو قامت الوكالة بالتحذير نفسه، عندما التقطت اتصال محمد بن سلمان مع تركي الدخيل الذي توعد فيه جمال خاشقجي بطلقةٍ، أو عندما استدرجه السفير السعودي خالد بن سلمان، لما وقعت الجريمة.
يشعر الصحافيون عموما، والمعارضون السعوديون خصوصا، بالامتنان لجمال خاشقجي، رحمه الله، فقد كان فادياً لهم. يد ابن سلمان مغلولة، لكنه لن يُحاسب، والعسيري والقحطاني وغيرهما لن يُدانوا، لكنهم لن يستطيعوا الخروج إلى العالم، وسيمضون عمرهم في بلادهم سجنا كبيراً تحت الراية الخضراء، كما ليبيا القذافي سجينا وسجانا، وكلاهما وراء الأسوار.
هل تريد التعليق؟