أشعر بالرعب تجاه انتشار ظاهرة الرشوة في البلاد. من ملاحظات شخصية بسيطة قل أن تجد مكانا يخلو منها.
وعندما تجلس مع المسؤولين، من دون تسجيل أو تصوير، يحدثونك بما عانوا منه من جراء انتشار الرشوة في القطاعين العام والخاص.
في استطلاع عام أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية العام الماضي أفاد زهاء نصف العينة بوجود الظاهرة في القطاعين العام والخاص مقابل أقل من الثلث نفوا وجودها.
وفي استطلاع الفساد الذي أجراه المركز قبل أربع سنوات احتلت الرشوة المرتبة الأولى 19.3 %، حسب الضرر الذي ينتج عن ممارستها في القطاع العام، تليها المحسوبية والواسطة 18.4 %، فالاختلاس 12.6 % ثم التزوير 10.6 %، واستغلال المنصب الوظيفي 10.5 %، وأخيراً الابتزاز 4.4 % وفيما يتعلق بأنواع الفساد حسب الضرر الذي ينتج عن ممارستها في القطاع الخاص، أفاد 20.2 % من المستجيبين بأنها الرشوة، في حين أفاد 14.3 % بأنها المحسوبية والواسطة، و12.3 % قالوا إنها التزوير، وتجدر الإشارة إلى أن 15.2 % أفادوا بأنها جميع الأنواع بالتساوي.
وعند تحديد المتوسط الحسابي لأنواع الفساد حسب الضرر الذي ينتج عن ممارستها في القطاع الخاص، أفاد 68.2 % بأنها الرشوة، فيما أفاد 61.9 % بأنها المحسوبية والواسطة، فالاختلاس 59.2 %، ثم التزوير 59.1 %، واستغلال المنصب الوظيفي 56.8 %، والابتزاز 46.4 %. وفي القطاع العام، فقد رأى 66.0 % أن الرشوة هي الأكثر ضرراً، تلتها المحسوبية والواسطة 64.0 %، فاستغلال المنصب الوظيفي 61.2 % ثم التزوير 57.8 % والاختلاس 57.4 % وأخيراً الابتزاز 44.9 %.
نحتاج حتى نكافح الظاهرة إلى استطلاعات ودراسات أكثر تفصيلا، ويحسن بالحكومة أن تجري استطلاعا حول الظاهرة يتضمن الأسئلة الآتية: هل تعرف شخصا دفع أو تلقى رشوة لتسهيل أموره؟ هل سبق أن دفعت رشوة لتسهيل أمورك؟ هل يمكن أن تسير معاملاتك بشكل طبيعي من دون أن تدفع رشوة؟ هل تدفع الناس الرشوة بغرض الحصول على حقوقها التي لا تستطيع نيلها بشكل طبيعي؟ هل تدفع بغرض تجاوز التعقيدات الإدارية التي لا طائل منها؟ هل تدفع الرشوة بغرض الحصول على حقوق ليست لها؟ هل الدافع لتلقي الرشوة الظرف الاقتصادي الصعب أي أن الفقير هو من يتلقاها؟ أم أن الدافع هو تحقيق الثراء والمزيد منه والظرف الاقتصادي الصعب لا علاقة له؟
حتى يحصل استطلاع كهذا، نكتفي بالملاحظة الشخصية والاستطلاعات العامة التي تقيس ظاهرة الفساد بشكل عام. الظاهرة موجودة وفي ازدياد، لأسباب أبرزها الغطاء الاجتماعي للظاهرة. فنحن في أزمة قيم، قبل الأزمة الاقتصادية.
ولّى زمان تعد فيه الرشوة من العيوب، والمرتشي كبر أم صغر يتصدر المجالس، ولا يحاسب أو يلام أو يعزل، بل أحيانا يحسد لأنه “زبط حاله”!
هل تريد التعليق؟