لن يحقق الإخوان المسلمون أكثرية في مجلس الشعب المصري. ليس لأنهم لا يملكون الأكثرية في الشارع، بل لأن النظام الانتخابي السيئ وإرث الممارسات الأسوأ يحول دون عكس أكثرية الشارع في مجلس الشعب. لكن المواطن المصري والدولة المصرية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والعالم يعلم حجم الثقة التي يحظى بها الحزب المحظور منذ أكثر من نصف قرن وحجم الانكشاف الذي يعاني منه النظام السياسي.
نتائج الانتخابات إلى الآن أظهرت حيوية الجماعة المحظورة ومدى التعاطف الذي تحظى به حتى في داخل النواة الصلبة للدولة المصرية. إلى درجة أن نادي القضاة طلب تدخل الجيش لحماية صناديق الانتخاب في الوقت الذي كان جهاز الأمن هو من يكشف للقضاة حجم التدخل والتلاعب والتزوير. في وضع كهذا بدت الماكنة الإعلامية للحزب الوطني مثارا للسخرية إذ لم تجد غير الهجاء, وهو ما استدعى شكرها على لسان المرشد العام للإخوان المسلمين محمد عاكف فهذا الهجاء لم يسفر إلا عن مزيد من التعاطف مع الجماعة المحظورة.
الإخوان المسلمون ليسوا طارئين على الشارع المصري, فقبل ثورة يوليو كانت التقارير الاستخبارية البريطانية تقول أن من بين كل ثلاثة في القاهرة واحدا من الإخوان المسلمين, وحركة الضباط الأحرار بمن فيهم عبدالناصر كانوا على علاقة بالجماعة “المحظورة” ولذلك استثنيت من قرار حل الأحزاب الذي اتخذته الثورة في بدايتها. ولم يصطدموا بعبد الناصر إلا لأنهم شكلوا تحديا لشعبيته.
لم تسفر عقود من الاضطهاد والقمع في عهد عبدالناصر إلا في تجذير حضور الجماعة, ولم يفلح زعيم بوهج وحضور عبدالناصر في إقصائها. صحيح أن السادات حاول في بداية عهده أن يستفيد من الإخوان في مواجهة الإرث الناصري والمد اليساري لكنه ما لبث ان انقلب عليهم في خريفه الغاضب, واليوم يجد الإخوان أنفسهم حليفا موضوعيا للإرث الناصري بمعناه الإيجابي في التصدي للهيمنة والعدالة الاجتماعية وعدم الانحياز.
قوة الإخوان لها مصادر ذاتية – بالدرجة الأولى- فقد تمكنوا من حشد خمسة وعشرين ألفا من خيرة شبابهم وشاباتهم متطوعين في الحملة الانتخابية. ولا تقف في وجه هؤلاء شركات العلاقات العامة وأجهزة الحزب الحاكم. المتطوعون لديهم قاعدة بيانات لا توجد في الدولة فهم يسألون الناخب هل انتخبت الإخوان لأنك منهم أم لأنك متعاطف معهم أم لأنك ضد الحزب الحاكم, قاعدة البيانات تجد سبيلها للنشر في مواقع الانترنت وشبكة الموبايل وسط وجوم الحزب الحاكم الذي لم يتوقع أن يكون حضور الحزب المحظور بهذا المستوى.
أكثر من ذلك ابتدع الإخوان أشكالا للنضال السلمي لم تكن مألوفة في مصر والعالم العربي فعندما جيء بحافلات الناخبين المزورين للحزب الحاكم في دمنهور قطع عليهم درع بشري من الإخوان الطريق ولم تستطع حافلات التزوير ارتكاب مجزرة بدعس الأجساد المسجاة في الشارع.
ضعف الحزب الحاكم قد يكون مصدر القوة الرئيس للإخوان إلى درجة غدا فيها مألوفا من الصحف المعارضة توجيه انتقادات مباشرة للرئيس وعائلته. ولم يجد مقدم برامج تلفزيون مصري حرجا من توجيه سؤال كبير: أين الرئيس؟ وهو سؤال كانت الإجابة عليه قبل سنة تقول: أين المقدم؟ هذا التداعي لن يتوقف بعد الانتخابات فالإخوان وحركة كفاية يستعدون عقب الانتخابات لحشد مسيرة تتوجه لبيت الرئيس.
الزلزال المصري لن تنحصر آثاره في حدود القطر, فمصر تظل نموذجا قائدا للمنطقة ولن يكون بمقدور أي نظام الركون إلى حاشية فاسدة تحميه, ومن أراد أن يحمي نظامه فلا سبيل غير التخلص من الحاشية الفاسدة, والتخلص منها بقرار ذاتي أكثر نفعا من سقوطها المدوي عبر صناديق الانتخاب.
هل تريد التعليق؟