مقالات

السفير الأميركي في حماة.. عار جديد على النظام

لا يستطيع أن يفعلها السفير الأميركي إلا في لحظة انهيار النظام. فمع كل استغاثات درعا وأخواتها، وجسر الشغور وحمص وغيرها، اللواتي شهدن تدخلا عسكريا دمويا، لم يتحرك السفير. من الواضح أن النظام فقد مهابته واحترامه، سواء على مستوى الشعب السوري أم على مستوى الأميركيين.
قبل تحليل الزيارة لا بد من وضعها في سياقها. فأهل حماة لم يطلبوا تدخلا أجنبيا، ولا استغاثوا بالسفير. هو بادر وفق مصالح بلاده إلى زيارة المدينة لأنه يدرك أن النظام آفل والشعب باق، ولا يمكن لدولة عظمى أن تفرط بمصالحها في دولة مثل سورية. ولا يحتاج المحلل لذكاء شديد ليكتشف أهمية سورية بالنسبة للإدارة الأميركية، إن اتجهت عينها إلى الإسرائيليين أم إلى العراق أم السعودية، بلد بين النفط وإسرائيل.
يرعى السفير مصالح بلاده فيزور المدينة. يصل جامع السرجاوي الذي شكل بؤرة للاحتجاجات، فيرفض إمام الجامع مقابلته. وفي الغضون يهدد مدير فرع الأمن العسكري العميد محمد مفلح، قادة التظاهرات بإحراق المدينة لو وصلت التظاهرة إلى ساحة العاصي. يتجه السفير إلى فندق أفاميا الشام ويقابل وجهاء من المدينة ويستمع لهم. اختفى الأمن رعبا، ليس من نصف مليون متظاهر بل من سعادة السفير. وهو ما دفع متظاهرا إلى الصعود على سيارة السفير والقول إنه نظام جبان يخاف من سفير ولا يخاف من شعبه.
كل من يحترم نفسه لديه حساسية تجاه التدخل الأجنبي، وكان مصدر فخر في الثورة التونسية والمصرية غياب التدخل. على العكس كان لصالح النظامين. في اليمن تنعقد التظاهرات الجمعة المقبلة تحت عنوان لا للتدخل الأميركي، وهذا يغري بالمقارنة مع زيارة السفير. لكن الزيارة باعتبارها تدخلا تحسب على النظام انهيارا ودموية.
أكثر من ذلك تحسب على أنصار النظام السوري. لماذا لا تقوم اللجنة الأردنية المناصرة لبشار الأسد بزيارة حماة بدلا من السفير الأميركي، استيضاحا لما يجري وتثبتا من وجود السلفيين الإرهابيين والقاعدة (القاعدة لا تستهدف سفير واشنطن؟)، أو مساهمة في جهود الحوار والمصالحة، أو مشاركة للنظام في حربه ضد المشروع الإمبريالي الأميركي الصهيوني؟
لا يقومون بذلك، ويكتفون بمشاهدة قناة دنيا وترديد أكاذيبها. إننا أمام اختبارات أخلاقية وسياسية قاسية. هل يقبلون بتكرار مجزرة حماة بحجة رفض التدخل الأجنبي؟ ألم يوقف الأميركيون مجازر الصرب في البوسنة؟ كيف يمكن انتصار الثورة من دون انحياز الجيش لها أو التدخل الأجنبي؟
ما يشفع للثوار أنهم شباب أنقياء يبذلون عزيز النفوس طمعا في الحرية لشعبهم، لا يتطلعون إلى مناصب ولا مكاسب شخصية. وإذ تنقصهم الخبرة والتجربة، فهذا يلقي بالعبء على مناصريهم لتقديم النصح والمشورة والدعم والرعاية حتى لا يخترقهم الأميركيون أو الصهاينة. وباستثناء النموذج الليبي، فإن التجارب الثورية العربية كشفت رفضا للتدخل الأجنبي أيا كان مصدره.
إن النظام الذي تجرأ على ارتكاب أبشع الفظاعات بحق شعبه، جبن في الرد على السفير الأميركي، مذكرا بجبنه التاريخي بعد حرب تشرين، فمن يومها يحتفظ بحقه في الرد بالوقت المناسب الذي لا يأتي. ما يمكن الجزم به أن شعبا بهذه الشجاعة لا يحتاج تدخلا أجنبيا.

هل تريد التعليق؟