مقالات

الشعب يريد العدالة

لا يمكن أن نصم الآذان عن الشعارات المدوية التي تطالب بإسقاط النظام التي امتدت في مظاهرات واعتصامات على امتداد البلاد منذ قرار الحكومة برفع الأسعار. وبدلا من التجاهل واللجوء إلى تفسيرات تآمرية وممارسة التخوين الأفضل التفكير بعقل بارد؛ لماذا يصر الشباب الحراكيون على ذلك مع أن عددا منهم سجن وحوكم بسبب ذلك من قبل، وهي أفعال تشكل جرائم بنصوص القانون الأردني.
ببساطة، ومن خلال معايشة للربيع الأردني أجيب أولا أن الناس لا تعني الشعار حرفيا. أعرف عن قرب شباب الحراك، وتحاورت معهم كثيرا وأعرف جيدا طريقة تفكيرهم. وهم بالمناسبة، ليسوا تنظيما حديديا سريا يتلقى أوامر. هم متنوعون فكريا وسياسيا وعمريا وجغرافيا واقتصاديا، لكنهم باختصار أبناء الربيع العربي. وهذا الجيل سقطت من قاموسه مفردة الخوف.
هؤلاء الشباب لا يتطلعون للحكم، لم يحكموا في كل بلدان الربيع العربي، لكنهم شركاء يقررون من يحكم. الخيط الناظم لحباتهم المتناثرة هو الحرية. فهم ليسوا فقهاء دستوريين ولا خبراء بالسياسة.
“الإخوان” جزء من الحراك، لكنهم مختلفون عنه. الإخوان هم أكثر الحركات محافظة. لا يفكرون بطريقة ثورية. والحركة الأم في مصر، لم  تخطط لثورة 25 يناير، ولكنها فوجئت بشبابها يشاركون فتركتهم وشأنهم ثم التحقت بالثورة عندما صار التخلي عنها خيانة. في الأردن، تجاوب الإخوان مع الحراك بشكل ذكي، وقفوا وراء الحراك لا أمامه، وهم يقومون بدور المهدئ لا المحرض. وليس لديهم استعداد للتورط في مواقف تصعيدية. لكن هذا لا ينطبق على شبابهم الذين يندفعون تحت وقع اللحظة الثورية.
لا يؤخذ شعار إسقاط النظام على حرفيته، يُقرأ في سياقه التاريخي. لنتذكر أن أول الحراك في 24 آذار بدأ بالسلام الملكي، وكان السقف هو المطالبة بإسقاط مدير المخابرات، بدأ الشعار بالظهور بعد اعتداءات البلطجية في الكرك على الحراك.
رفع شعار الإسقاط، أملا في تحقيق الإصلاح. وخلال الأيام الماضية بدا واضحا غياب المقاربة السياسية، لدينا مقاربة مالية يمثلها رئيس الوزراء، ومقاربة أمنية. وهما تصيبان أي مدقق بالرعب. خصوصا أن المقاربة الأمنية بالقطعة، تعامل قانوني أمام المسجد الحسيني، وتعامل بعيد تماما عن القانون من خلال ترك الساحة للبلطجية وغياب الأمن.
القضية سياسية أولا وأخيرا، لم تثر الناس على مرسي لأنه منتخب بنزاهة، لكن أن تُرفع الأسعار ويطلب من الناس الذهاب للانتخابات وفق قانون غير دستوري أقره مجلس مزور، بشهادة رئيس الوزراء في مقابلته معي! الخطوة الأولى لمن يريد الحفاظ على النظام هي العودة لمربع الإصلاح السياسي، من خلال تأجيل الانتخابات وتشكيل لجنة حوار وطني تضم الحراكات أولا والمعتقلين خصوصا، تتوافق على قانون انتخابات، وبعد الانتخابات سيكون المجلس الشرعي غير المزور هو صاحب الكلمة الفصل في التعديلات الدستورية.
أما أن يكون مجلس مزور هو من يقرر مصير الإصلاح فقد كانت النتيجة ما نشهده اليوم. ولو أننا كسبنا وقتا وأصلحنا من سنة لرفعت الأسعار حكومة ذات ثقل شعبي قادرة على تجرع الدواء المر وتجريعه للناس. الناس لا تريد الرفاه تريد العدالة، والحكومات النيابية التي نص عليها الدستور، والتي تمثل إرادة الناس، لن تقضي على الفقر، لكنها ستحقق العدالة، وهي الابنة الشرعية للحرية، وهو ما يطالب به الحراكيون لو دققتم في مطالبهم.

هل تريد التعليق؟