مقالات

الصهاينة العرب شركاء في جريمة السفينة

يلاحظ المتابع للصحافة الإسرائيلية بخاصة والغربية بعامة، منذ ارتكاب جريمة أسطول الحرية، اعترافا عاما بالهزيمة ومراجعة نقدية جذرية للسياسة الإسرائيلية. وبقدر ما تحترم عدوك الذي تقوم صحافته بدور الضمير المستقل المستشعر للصالح العام للصهاينة، تحتقر أبناء جلدتك الأكثر صهيونية من الصهاينة الذين انبروا للدفاع عن الجريمة وإلقاء اللائمة على الضحية، تماما كمن يقول إن الطفلة اغتصبت لأنها جميلة.

وما يدعو إلى الاحترام أكثر، قامات فكرية مثل نعوم تشومسكي اليهودي الإنسان الأشد نقدا للفكرة الصهيونية العنصرية، وفي مقاله الذي نشرته “الغد” أمس، تحدث عن الرأي العام الإسرائيلي “لا يمكن فرض القانون الدولي ضد الدول القوية، سوى من قبل مواطنيها أنفسهم. وقد كانت تلك دائماً مهمة صعبة، خاصة عندما يعبر الرأي عن جريمة ما على أنها مشروعة”، من دون أن تصله ترجمة ما كتبه عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط واحتفت به الصحافة الإسرائيلية، وهو مع أنه موقف شاذ إلا أنه نشر في واحدة من أكثر الصحف العربية انتشارا.

استشهدت به في معاريف الكاتبة الصهيونية ليندا منوحين. فلو أرادت حماس كسر الحصار، لوجدت في جعبتها عدة حلول. تناول أحدها عبدالرحمن الراشد، وهو كاتب مقالات في صحيفة “الشرق الأوسط” التي تصدر في لندن: “لو أرادت حماس كسر الحصار عن غزة، لكانت أسهل الطرق تحرير جلعاد شاليط”. ظننت أن الكاتبة الصهيونية قوَّلت الراشد ما لم يقله، أو اجتزأت كلامه، فعدت للأصل فوجدته أسوأ من الاقتباس. يقول الكاتب السعودي: “فهو يدرك أن تسييرالقافلة لن يكسر الحصار، ويعرف أن كسر الحصار سهل لو أراد ذلك فعلا، أولا من خلال إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط الذي لا يستحق احتجازه كل هذه المعاناة التي يدفع ثمنها أكثر من مليون فلسطيني كل يوم، لكنه لا يريد إطلاق شاليط لأن ذلك يلغي حالة التوتر، فلا يكون هناك حصار ومواجهات وقضية يرفع قميصها كل يوم لأغراضه الأخرى”. إطلاق شاليط هكذا! ماذا عن أحد عشر الفا في السجون، وملايين تحت الحصار والاحتلال؟

في المقابل افتتاحية هآرتس في اليوم نفسه كتبت تحت عنوان “نصر حماس”: “أسطول الإغاثة التركي إلى غزة حقق هدفه، حتى لو كان بثمن دموي أوقع تسعة قتلى وعشرات الجرحى. فبعد أسبوع من وقف الجيش الإسرائيلي للسفن، تحطم الإغلاق التام الذي فرض على غزة، وتلقت إسرائيل موجة من التنديد الدولي وهي الآن تواجه دعاوى للتحقيق”.

يرجع نعوم تشومسكي، الذي يصنف بأنه أكثر المفكرين العالميين تأثيرا، قضية الحصار إلى جذورها، ولا تخطف بصره اللحظة الراهنة على دراميتها، يقول: “لقد كان حصار غزة، بما في ذلك الإغلاق الذي تفرضه قوات إسرائيل البحرية، نتيجة لذلك. وقد تكثف الحصار بحدة في شهر حزيران (يونيو) 2007 بعد أن أفضت حرب أهلية إلى سيطرة حماس على المنطقة”. ومع أنه يصف قصف حماس الصاروخي بالجريمة إلا أنه يدافع عن حسمها العسكري: “إن ما يوصف عادة على أنه انقلاب عسكري قامت به حماس، كان قد حدث في واقع الأمر بتحريض الولايات المتحدة وإسرائيل، في محاولة فجة لإلغاء نتيجة الانتخابات التي كانت قد جلبت حماس إلى السلطة”. ويضيف: “وقد أصبح ذلك معلومة عامة ومعروفة، على الأقل منذ شهر نيسان (ابريل) من العام 2008، عندما كتب ديفيد روز في “فانيتي فير” أن جورج دبليو بوش، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس ونائبها إليوت أبرامز “دعموا قوة مسلحة تحت إمرة رجل فتح القوي محمد دحلان بإشعال فتيل حرب أهلية دموية في غزة، مما ترك حماس أكثر قوة من أي وقت مضى”. ولا يوفر حماس من نقده “لقد شمل إرهاب حماس إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية القريبة – وهو فعل إجرامي من دون شك، ولو أنه لا يشكل سوى شذرة بالغة الصغر من الجرائم الأميركية-الإسرائيلية الروتينية والمستمرة في غزة”.

في الإنزال العدواني على السفينة كان ثمة ناطقون بالعربية ويهود عرب، ولا شك أن صلة هؤلاء المارينز الصهاينة بالعروبة لا تتعدى النطق، وهم لا يختلفون عن كتّاب العربية المتواطئين معهم ، والذين تمنوا في قرارة أنفسهم أن يشاركوهم في قتل “المتطرفين الإسلاميين” الذين حولوا حياتهم إلى جحيم، ومنعوهم من العيش بليبرالية مع إخوانهم الصهاينة.

هل تريد التعليق؟