نجح عبد الباسط الساروت في إعادة الألق للثورة السورية كما هي في صورتها الأولى، من لحظة استشهاده إلى دفنه، فقد تبيّن أن السوريين يجمعون على ثورتهم، على الرغم من الخسائر المروّعة التي لم ينج منها سوري، وأن إعادة تأهيل بشار الأسد غير واردة بعد ذلك كله. غير واردة إن كان القرار للشعب السوري. وفي الواقع هو الحلقة الأضعف في المعادلة، فما تبقى من شعب سوري هو واقعٌ تحت احتلال إيراني روسي، يتحكّم في الدولة السورية ومؤسساتها، وما تبقى من معارضة فشلت في بناء مؤسساتها المدنية والعسكرية. ولم تنجح حتى في الحفاظ على رموز سياسية قادرة على أن تكون بديلاً للنظام.
بالنتيجة، ظل القرار في سورية رهيناً بشكل أساسي بقوتي الاحتلال، روسيا وإيران. وفي زياراته موسكو وطهران، أظهر بشار الأسد قدرته الاستثنائية في الوفاء لسيدين، على ما بينهما من خلافات أيديولوجية ومصلحية. وهو لا شك مدينٌ لهما بالبقاء إلى اليوم في السلطة، ولو على حساب تدمير البلد وتشريد أهله.
لم يكن الوفاء للسيدين ليتم لولا المباركة الإسرائيلية الأميركية التي وجدت في بقاء بشار خياراً أفضل من سورية الديموقراطية، أو الفوضى والإمارات الجهادية و”داعش”. وأطلقت يد الإسرائيليين في استهداف ما تشاء في سورية، على عين الروس الذين لم تتحرّك صواريخهم لحماية الأجواء السورية المستباحة على مدار الساعة، عوملت طائرات الإسرائيليين في الأجواء السورية تماماً كأنها طائرات النظام، لا تعترضها منظومة الدفاع الروسية، وتم احتواء “الخطأ” الذي ارتكبه النظام، عندما سقطت طائرة إسرائيلية أو أسقطت.
قبلت إيران المعادلة، فهي تتحمّل قصف مخازن سلاح نوعي أو قوافل الإمداد، في مقابل بقاء قوات احتلالها، سواء كانت من عسكريين إيرانيين أو مليشيات لبنانية وعراقية وباكستانية وأفغانية، تابعة لها، تعمل براحتها على الأرض السورية. ولا ترد إلا بشكل رمزي، عندما تكون الخسائر مكشوفة، كما حصل عندما قتل نجل عماد مغنية والأسير المحرّر سمير القنطار وغيرهما.
وبالنسبة لإسرائيل، وجدت في المعادلة صيغةً لم تحلم بها في تاريخها، فقد تحولت سورية مثل مناطق سي في السلطة الفلسطينية التي تتيح لسلطة الاحتلال المطاردة الساخنة في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة. وبعد كل نهاية مطاردة ساخنة، يتحدث التلفزيون السوري عن تمكّن دفاعاته الأرضية من التصدّي لغارات الطيران الإسرائيلي، بعد أن تحقق أهدافها.
يبدو أن هذه المعادلة لم تعد قابلة للبقاء في ظل التصعيد مع إيران، فأسهل معركة معها في سورية، فهي قوة احتلال منبوذة، لا تحظى بأي قبولٍ لدى السوريين، حتى عند طائفة النظام، فهي تفضل الروس عليها. ويمكن ملاحظة ذلك من نفوذ المخابرات الجوية المرتبطة بها وقوات النمر وغيرها.
تدرك روسيا بوتين أن مصالحها مع إسرائيل أكبر من مصالحها مع إيران، ومن مصلحتها أن تبقى سورية لها وحدها من دون مشاركة إيران. ولكن على الأرض من الصعب خوض معركة مع إيران وإخراجها، فهذا ما لا تستطيعه روسيا ولا حلفاؤها، إلا إذا حصلت على دعم إسرائيلي مباشر. ولا مشكلة لبشار الأسد أن يخوض معركة الثلاثي الروسي الإسرائيلي الأميركي ضد إيران، تماماً كما لا مشكلة لديه أن يخوض معركة إيران معه، إن كان ذلك يضمن بقاءه على كرسي السلطة.
إن حصل الطلاق الروسي الإيراني في سورية، فالضحية الأولى هو الابن بشار الأسد. سيكون في موقف صعب للاختيار. ولن يكون الطلاق تسريحاً بإحسان. يبقى الوفاق بينهما الحل الأمثل بالنسبة له، لكن لحظة الفراق قد تكون قريبةً ومؤلمة له، فالمواجهة مع إيران صعبة، ومع الثلاثي الروسي الإسرائيلي الأميركي أصعب. وفي الحالين، سيكون هو الحلقة الأضعف. سواء خاض معركة إسرائيل أم معركة معها.
ربما يكون الشعب السوري محظوظاً في مواجهةٍ كهذه، تنتهي باستعادة سورية من مناطق الاحتلال والنفوذ. ولكن بدون بناء مؤسسات المعارضة المدنية والعسكرية، لن يرث أحدٌ النظام. المعادلة الدولية التي خدمت بشار الأسد ليست دائمة، الثابت أن السوريين ضد الاحتلالات، إسرائيلية كانت أم إيرانية وروسية، تماماً كما هم ضد الاستبداد.
هل تريد التعليق؟