في بريطانيا التي شهدت ميلاد الديمقراطية الحديثة، من خلال وثيقة الـ”ماغنا كارتا”، خبرة مهمة يمكن أن نتعلم منها في تجربتنا الديمقراطية. والقضية ليست قضية نصوص، بقدر ما هي ثقافة عامة ومؤسسات وتقاليد. فإلى اليوم، لا يوجد دستور مكتوب في بريطانيا، والوثيقة التاريخية اشتراها رجل أعمال أميركي وهي معروضة في متحف الدستور الأميركي، الذي تعتبر الوثيقة البريطانية واحدة من القواعد التي بُني عليها، ويمكن ملاحظة كيف تتغير النصوص وتتطور لخدمة البشر الذين يكتبونها.
لعل الدرس الأهم هو التعبير الدقيق عن المعارضة باعتبارها “حكومة ظل”، وزعيم المعارضة هو رئيسها. وهو لا يتعرض للملاحقة والتهميش والتضييق، بل يحظى بامتيازات نظيره في “عشرة دواننغ ستريت”؛ إذ لديه فريق أمني للحماية، ونظام اتصالات وسكرتاريا، وغير ذلك من متطلبات الحكم. وهو خلال فترة المعارضة يعرف آليات اتخاذ القرار وتفاصيله وأسراره، ولا يكون مغيبا؛ بل هو شريك فيه ولو خالفه.
قيل: “لا يستقيم الظل والعود أعوج”، وحكومة الظل هي صورة للعود؛ إن كان مستقيما فهي كذلك، وإن كان أعوج فهي توازيه في الإعوجاج. فالذي يرى بهامشية المعارضة وغياب ثقة الشارع بها، عليه أن يدرك أن هذا ينطبق على الحكومة تماما. ومن يتابع استطلاعات الرأي منذ العام 1996 يلاحظ انهيار الثقة في كل المؤسسات، من الحكومة إلى مجلس النواب إلى المعارضة.
وفي العود والظل تظل البيروقراطية هي القاعدة المتينة التي تضمن استقرار الأداء في ظل تداول السلطة. والبيروقراطية فوق التنازع السياسي، بما فيها مكتب رئيس الوزراء. إذ يوجد فريق سياسي يأتي مع الحزب الحاكم، لكنه يعتمد بشكل كامل على رجال الوظيفة الحكومية الذين يتسمون بالنزاهة والاستقامة والمسؤولية تجاه الكافة، وليس تجاه الحزب الحاكم. ومن المفارقات في قضية الكازينو أن بيروقراطية رئاسة الوزراء عندنا لم تُدخل الكتب في الصادر والوارد، والاتفاقية كلها كانت موجودة في بيت وزير السياحة.
تجرى اليوم الانتخابات النيابية بمقاطعة الإخوان المسلمين الذين يشكلون أكثرية المعارضة. سيقال إنهم لا يحتكرون المعارضة، أي الظل، فمن هو ظل الحكومة إذن؟ يجيبون أن ثمة شخصيات يسارية وقومية ومستقلة وإسلامية خارج إطار الإخوان ستكون ممثلة في المجلس. فكم سيكون حجمها؟ هل ستشكل ظلا موازيا للأصل، أم أنها ظل العود الأعوج؟
لا نستطيع أن ندعي فرادة ديمقراطيتنا التي تختلف عما تعارف عليه البشر، وأنه ستكون لدينا حكومة قوية ومعارضة شكلية؛ إذ ستكون لدينا حكومة شكلية ومعارضة شكلية، ولن نعيد اكتشاف العجلة. ومنذ اللحظة الأولى سيبدأ السؤال: متى يحل المجلس؟
كتب جمال الشاعر في مذكراته قبل أكثر من ثلاثة عقود، أن الأردنيين يبدأون بالحديث عن رحيل الحكومة بعد أدائها القسم في القصر. واليوم صرنا نتحدث عن رحيل مجلس النواب في اليوم التالي للانتخابات.
في التجربة البشرية، يمكن الاستفادة من العدو الذي انتصر علينا واحتل أرضنا؛ الناخب الإسرائيلي يتجه لليمين، وهذا سيؤثر في حياة كل واحد يعيش في المنطقة، هل يمكن أن نسأل أين يتجه المواطن الأردني؟ لا أريد المقارنة بنظام وحشي مثل الذي يحكم سورية، وأريد أن نقارن أنفسنا بالعدو غربا. في الربيع العربي نستطيع أن نفتخر بأننا لم نرق دماء، وهذا صحيح. لكننا لم نمض في طريق الإصلاح، ونمارس الركض الموضعي في المكان ذاته.
إن الإصلاح لا يبدأ بالعود الأعوج وإنما بالظل؛ فالمعارضة القوية القادرة هي التي تعكس حكومة قوية قادرة. ولذلك لا تبتهجوا كثيرا بأن المجلس المقبل يخلو من المعارضة.
هل تريد التعليق؟