مقالات

العدوان الثلاثي على الربيع العربي لا الثورة المصرية

تتشابه الثورات العربية في المنشأ والمسار والمآل. وما تشهده مصر من عدوان على الناس استغلالا لمباراة، يتكرر بصيغ مختلفة في بلدان الربيع العربي؛ تونس وليبيا واليمن وسورية. الاستبداد المتجذر لا يقتلع بسهولة وسرعة. القوى المضادة للثورة تنظم صفوفها داخل البلد الواحد، وبخطاب إعلامي عابر للحدود.
شاهدت بالأمس، مصادفة، ردة الفعل السريعة لقناة الدنيا، لسان حال الشبيحة من حُماة نظام الإجرام، على الحادث المروع المؤسف في الاستاد الرياضي في مصر. بدأ الخبر العاجل مثيرا لسرور المذيع وضيفه، وفورا سأل المذيع ضيفه، وربط الحدث بمضار الربيع العربي والإخوان المسلمين. والذي يفكر على طريقة قناة دنيا في التآمر، لا يشك أن مجزرة الاستاد الرياضي في مصر أعد لها في أقبية المخابرات السورية تشويها للربيع العربي، وتنكيدا على ثوار سورية.
لا توجد خفايا ولا طرف ثالث ولا رابع؛ أيتام وبقايا وفلول المستبدين يحاولون تخريب البلدان على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي”. ليسوا وحدهم، هم أحد أضلاع المثلث؛ معهم الخاسرون من قوى ظنت أن لها حضورا شعبيا يوازي صخبها الإعلامي، فاكتشفت أن الاستبداد كان أستر لها من فضيحة الثورة؛ والضلع الثالث هو عنف اجتماعي يظهر في كل المجتمعات يستغل سياسيا.
لا نفصل بين من حاولوا حصار مبنى مجلس الشعب المصري وبين من بثوا الفتنة في لعبة كرة القدم. فمجلس الشعب هو الممثل الوحيد للثورة، وهذه ثورة مدنية دستورية عُبر عنها بأنزه انتخابات في تاريخ مصر وأكثرها مشاركة، وليست ثورة على طريقة القذافي تحل مجلس التمثيل وتقيم بدلا عنه لجانا ثورية “لجان في كل مكان ومن تحزب خان”!
لم يتصد الإخوان بالبلطجة للعدوان على مجلس الشعب، بل تصدوا بذات الطريقة التي تصدوا فيها لعصابات أمن الدولة والبلطجية في ميدان التحرير؛ بصدورهم العارية وقفوا صفا واحدا لحماية مجلس الشعب، وهو مجلس لا ينفردون به، بل يشاركون قوى حقيقية أخرى. ومن يستمع إلى جلساته يلاحظ حجم الرقي والتنوع والجرأة في الخطاب.
الخطاب المزايد على الثوار الحقيقيين يصدر عن ذات القوى المتطرفة فاقدة الشعبية، سواء كانت ليبرالية أم يسارية أم إسلامية. وهو يريد من الثورة أن تعالج في سنة خرابا عمره عقود، وهي تتحالف بحسن نية أو سوئها مع فلول الأنظمة الراحلة، وتحسب أنها بذلك تحسن من وضعها الشعبي، وفي الواقع هي تعمق من عزلتها، وتنتحر بإرادتها.
الأصعب في مثلث العدوان هو العنف المجتمعي المولود من رحم أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية بالغة التعقيد، غير أن الأنظمة الديمقراطية تظل أقدر على التعامل معه. وفي النهاية، ستنتصر على العدوان الثلاثي كما انتصرت مصر عليه قبل نصف قرن.

هل تريد التعليق؟