مقالات

العراق .. الاحتلال الجميل والاستبداد الأجمل

بعد 17 عاما على احتلاله، لا يزال العراق كسيحا، غير قادر على النهوض، حتى الانتفاضة الشعبية انتهت إلى مناورة داخل التيارين، الأميركي والإيراني، داخل الطائفة الشيعية، وبالنتيجة تراجع التيار الإيراني، سواء بفعل الضغط الشعبي بالمظاهرات أو بالضربة العسكرية التي أودت بقاسم سليماني وإبراهيم المهندس، لكنه لم ينته، لا من الكتل النيابية ولا من الحشد الشعبي ولا من الإمساك بمفاصل الدولة، وقبل بالتراجع خطوة إلى الخلف.بصراحةٍ عبر التيار المحسوب على إيران عن رفضه لترشيح عدنان الزرفي بوصفه مرشح الاستخبارات الأميركية، والتهمة ذاتها تُرمى على رئيس الجمهورية برهم صالح. والمفارقة أن التيار ذاته عاد إلى تبنّي ترشيح مدير المخابرات العراقية، مصطفى الكاظمي، وهو الذي اتهمته كتائب حزب الله العراق بالمشاركة في اغتيال سليماني والمهندس.


بالنتيجة، يعلم العراقيون أن القرار يُتخذ خارج بلدهم، وفق اتجاهات التهدئة والتصعيد إيرانيا وأميركيا، تماما كما تشكل مجلس الحكم عقب الاحتلال، ولكن الشكل الديمقراطي اليوم مختلف، فثمّة انتخابات وأحزاب ومحاكم.. أيهما أفضل الشكل الديمقراطي الحالي أم الشكل الديمقراطي أيام صدّام حسين؟


جرى في العام 1995 استفتاء عام في العراق على الرئيس صدام حسين، جاءت النتيجة بالتسعات المشهورة، وتبين بعد الإعلان الرسمي أن 700 عراقي صوّتوا بلا للسيد الرئيس. في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس لجنة الاستفتاء، عزّت إبراهيم الدوري، سأله صحافي أجنبي، شبه ساخرٍ عن مصير الذين صوتوا بلا؟ توقعت يومها أن يجيب “هذه الديمقراطية ونحترم نتائجها ومن حق كل عراقي أن يقول رأيه بصراحة”، صدمنا السيد النائب بِوَعيد لهؤلاء “سنعرفهم وسنلاحقهم، ليس في العراق من يقول لا للقائد صدام حسين”.

قبيل الاحتلال، في العام 2002، جرى استفتاء ثان، وبدا أن الدوري نفذ وعيده، وجاءت النتيجة 100%.
في النهاية، فشل الاستبداد في الحفاظ على الدولة، تماما كما فشل الاحتلال في بناء الدولة. من السهل إلقاء اللائمة على الاحتلال، ومن الصعب إلقاؤها على الذات. لقد فشل العراقيون في بناء كتلةٍ سياسيةٍ وطنية، ولا يوجد حزب عراقي واحد عابر للطوائف… لم ينجح لا العرب ولا العراقيون في فتح نقاشٍ حرّ، يراجعون فيه ما حل بالعراق، هل كان الاستبداد بوابة الشر أم الاحتلال؟


لا يوجد زعيم في العالم العربي له شعبية صدام حسين، والذي تنظر له أكثرية العرب باعتباره زعيما بنى دولة حديثة وتصدّى لمشاريع الهيمنة والاحتلال إيرانيا وأميركيا. ويتغاضون عن أنه احتل بلدا مسالما، الكويت، لخلاف كان ممكنا أن يحل في إطار عربي، وينسون أنه سحق المحافظات الشيعية، عندما انتفضت عقب احتلال الكويت، وكذلك الإقليم الكردي، وأن من سحقهم صدّام تطلعوا إلى الأميركان، باعتبار هؤلاء محرّرين من الاستبداد، ولذا وجد الاحتلال ترحيبا في تلك المناطق التي ظلت بعيدة تماما عن المقاومة لاحقا. واليوم نجد العكس في المحافظات السنّية التي عانت من استبداد سنوات نوري المالكي وعبث المليشيات عقب هزيمة داعش. الاحتلال الراحل ولا الاستبداد المقيم، وهو المنطق نفسه لدى من تواطأوا مع الاحتلال في 2003.


بعد كل هذه السنوات، لم يرحل الاستبداد ولم يرحل الاحتلال، أعيد إنتاجهما بأشكال مختلفة، وبالمذاق المسموم نفسه.

هل تريد التعليق؟