مقالات

العنصرية ليست وجهة نظر

يتوافق العالم على تجريم العنصرية خلقيا وسياسيا وقانونيا. ومع ذلك تظل العنصرية موجودة في إطار المشاعر والسلوك، وإن زل لسان سياسي بتعبير عنصري فقد يكلفه ذلك مستقبله السياسي. لا يستطيع أحد أن ينتقد أوباما لأنه من أصول أفريقية أو مسلمة. لكنه ممكن أن ينتقد في كاريكاتير باعتباره مناصرا لتنظيم القاعدة وللشيوعية.
      في الأردن لا يوجد في السياق العام تعابير عنصرية في المواقف السياسية، فالمعارضة للأميركان والصهاينة خارجيا هي لأنهم غزاة محتلون وليس لأنهم مسيحيون أو يهود. وفي الهولوكست السوري كان الخطاب على رغم التركيبة الطائفية للنظام وجهازه الأمني سياسيا يقسم الناس إلى معسكر الطاغية ومعسكر الضحية لا معسكر العلويين ومعسكر السنة. ولم ينزلق مناصرو الشعب السوري إلى اللغة الطائفية الوسخة التي يروج لها مناصرو الأسد وخصوصا من اللبنانيين.
       ومع ذلك نشهد في الأردن لغة عنصرية مستترة، تخبو وتصعد بحسب المزاج السياسي. وهي كأي لغة عنصرية تستهل اللعب على غرائز الناس وتقسيم المواطنين إلى “نحن وهم “. ومن أسوأ ذلك الحديث بلغة عنصرية عن أكبر القوى السياسية حجما وأكثرها عراقة. فالإخوان المسلمون أبناء الحراك الأردني وليسوا  بحاجة لاختراقه. على العكس من يفتقد للشعبية ويعجز عن الفوز في انتخابات أو حشد مظاهرة كمظاهرات الإخوان هو من يحاول الاختراق من خلال اللعب على الغرائز والتحريض.
       تكرر العنصرية مرتين مرة باعتبار أن الإخوان ليسوا أردنيين ومرة أخرى الانتقاص من الأردنيين من أصول فلسطينية باعتبار حراكهم السياسي دخيلا لا أصيلا. في الأولى على من يجهل أو يتجاهل تاريخ الإخوان أن يعرف أنهم تأسسوا قبل الاستقلال، وأن مؤسسهم عبد اللطيف أبو قورة أنفق ماله على بناء الكلية العلمية الإسلامية التي درس فيها جلالة الملك تماما كما أنفقه على تجهيز كتيبة أبو عبيدة التي قاتلت على أسوار القدس عام 48  وكان من المتطوعين الشيخ هارون الجازي وهو من هو في ميزان شيوخ العشائر، وكان من شهدائهم من أبناء بني صخر. ومن أراد التوسع فليعد لكتاب الدكتور محمد محافظة عن العلاقة الأردنية الفلسطينية وذكريات عزت العزيزي.
      لا يضير الحركة أن تكون فصيلا فلسطينيا؛ فحركة فتح كانت انشقاقا إخوانيا إنجازا للوطنية على حساب الأممية الإسلامية، تماما كما كانت الجبهة الشعبية انشقاقا آخر عن حركة القوميين العرب. ولغايات الجدل لنلغِ تاريخ البلاد ونشطب عبداللطيف أبو قورة وعبدالرحمن خليفة وعبدالمجيد ذنيبات وسالم الفلاحات الذين قادوا الجماعة منذ تأسيسها وهم شرق أردنيون فهل يقلل ذلك من شأن همام سعيد لأنه من أصول فلسطينية؟ وهل اختصاصه هو في حدود المخيمات ولا يحق له المشاركة في مظاهرة سياسية في معان؟ هذه هي العنصرية بالضبط. المواطن هو المواطن من الرمثا إلى العقبة ولا يزيد مواطن عن آخر ولا ينقص إلا بما يقدمه للوطن.
     اللغة العنصرية مرفوضة بحق أي شخصية أو فئة، ولا نمل من التذكير بنموذج يعقوب زيادين الذي فاز بأعلى الأصوات عن مدينة القدس وهو مسيحي وفلاح من قرى الكرك. لقد دمر لبنان ودمر العراق بسبب السماح بتداول المفردات العنصرية سواء تجاه الفلسطينيين أو المسيحيين. يكسب من يلعبون على غرائز الناس حتى في أعرق الديموقراطيات، لكن مكاسبهم الذاتية خسائر صافية لبلدانهم. إنهم بحاجة لحرب أهلية حتى يكونوا أمراء حرب وسادة متاريس على طرقات يقتل فيها الناس على الهوية، أي هوية!

هل تريد التعليق؟