في مهاجمة الربيع العربي تستخدم استراتيجيات متعددة منها ربطه بنظريات أميركية مثل الفوضى الخلاقة. فما شهدناه ليس فعلا إنسانيا طبيعيا بعد عقود من الاستبداد والتخلف والمهانة.. بل نتاج مؤامرة أميركية صهيونية على أنظمة دحرت الاحتلال الأميركي وحررت الأرض السليبة.
يعتقد مهاجمو الربيع العربي، وهم المتضررون منه من الأنظمة وأيتام الأنظمة الراحلة وطائفيون ومرضى بمتلازمة الديمقراطية والإسلاميون، أن الأكاذيب والأساطير ممكن أن تتحول في أذهان الجهلة إلى حقائق. وأن لا أحد يرجع لكتاب وأن محركات البحث تستخدم للترفيه والأغاني وليس للبحث والتدقيق في المعلومات. بالمحصلة بإمكانك أن تكذب كذبتك وتمشي، وعلى الآخرين أن يجهدوا أنفسهم في تكذيبها.
في كذبة الفوضى الخلاقة، أستعير تعبير لكونداليزا رايس في وصف أوضاع العراق وأفغانستان بعد الاحتلال، وجرى تزويره وتحويره ليعمم على ثورات الربيع العربي. تمر الكذبة دون التذكير بأن كل نظريات كونداليزا رايس والجمهوريين والمحافظين الجدد انتهت بعد فوز الديمقراطيين، وأن سادة البيت الأبيض أيام رايس وبوش الابن تحولوا إلى المعارضة. وأن أوباما وفريقه اعتمدوا استراتيجيات مختلفة تماما عنهم، وأنهم انتهجوا سياسة انسحابية من العراق وأفغانستان وغيرها، وغدا همهم التركيز على القضايا المحلية التي تهم المواطن الأميركي وتحديدا الأزمة الاقتصادية وتداعياتها والتأمين الصحي.
قبل ذلك لم تسع رايس والجمهوريون والمحافظون الجدد إلى الفوضى، بل سعوا لبناء أنظمة موالية للولايات المتحدة في المنطقة من خلال حروب استباقية، أي ضرب أعداء الولايات المتحدة قبل أن يضربوها. احتل بوش العراق وأفغانستان، ولم يشهد البلدان ثورة طالبت بالتدخل الأجنبي. الاحتلال جاء ردا على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي خُطط لها في أفغانستان، وكان يعتقد أن عراق صدام حسين سيتحول إلى بؤرة معادية لأميركا وملاذ للقاعدة. وهذا التحليل غير صحيح بالمناسبة.
لو كان ثمة مؤامرة فوضى خلاقة لتدخل الأميركيون لدعم ثورتي الشيعة والأكراد على صدام حسين بعد احتلال الكويت. سقطت محافظات الجنوب كلها بيد المنتفضين الشيعة المدعومين من إيران، وكذلك سقطت المحافظات الكردية، كان بإمكان شوارزكوف أن يقطع سريعا باتجاه بغداد، وإسقاط حكم صدام حسين وسط تأييد الأكثرية. لكنه ترك الحرس الجمهوري ينفذ حملات الأنفال ويستعيد زمام المبادرة في الجنوب والشمال، وأخيرا عمل الحظر الجوي لحماية مناطق الحكم الذاتي للأكراد. ولولا 11 سبتمبر لكان صدام حسين يحكم العراق إلى اليوم، أو أحد أنجاله. فعدي وقصي ليسا أقل شأنا من بشار وماهر. بالنسبة للأميركيين لم يكن لديهم مشكلة في بقاء حكم طالبان أو صدام حسين طالما لا يوجد تهديد مباشر عليهم.
فوجئ الأميركيون بالفوضى في العراق، أي المقاومة، وسموها فوضى ذما وخلاقة تبريرا لخطئهم. من وقفوا في وجه أميركا وصنعوا الفوضى هم من يقاتلون بشار اليوم، من النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، وهم الذين دعمهم بشار وأتاح لهم سبل الدعم والتجنيد. ليس محبة بهم بل خوفا من أن يلقى مصير صدام حسين. والمحافظون الجدد كانوا يخططون فعلا لاستبدال الأنظمة المعادية لأميركا بما فيها سورية. ولكن ما إن غادروا البيت الأبيض حتى تغيرت الاستراتيجية من الاستبدال إلى الاحتواء والحوار.
لو كانت نظرية الفوضى الخلاقة عاملة في الإدارة الأميركية لكان بشار في قبضة الأميركيين. وهو أكثر السعداء بأن النظرية غير مطبقة. المطبق اليوم هي نظرية نتنياهو دعهم ينزفون حتى الموت، ويراهن بشار أن الشعب السوري سيموت قبله. وفي الأثناء لن يدخر وسعا، في استجداء الأميركيين خوفا من تفعيل نظرية الفوضى الخلاقة. هو اليوم يقول علانية أنا أخوض الحروب الاستباقية ضد القاعدة نيابة عنكم.
هل تريد التعليق؟