مقالات

القضاة في مصر: أشداء على الانتخابات رحماء على الفلول

تدرك جبهة الإنقاذ أنها ستخسر انتخابات مجلس الشعب المقبلة وفق أي قانون أجريت. ولذلك، ظلت تشكك في نزاهة الانتخابات، مع أنها تحت إشراف القضاء، وهو الذي قضى بإيقافها.
القضاء اليوم شامخ وهو يوقف الانتخابات، لكنه غير قادر على ضمان نزاهتها. والوقت غير كاف لإجراء انتخابات مجلس الشعب، لكنه كاف لإجراء انتخابات رئاسية. فالهدف الوحيد هو إسقاط حكم أول رئيس جمهورية في مصر منتخب بشكل ديمقراطي.
من حق جبهة الإنقاذ أن تقرر ما تشاء، والحكم لها أو عليها هو للشارع المصري في صناديق الاقتراع. لكن ليس من حق القضاء، وهو أسوأ تركات حسني مبارك، أن يمارس كل هذا العبث في الانتخابات؛ يحل أهم مجلس منتخب في تاريخ مصر، ويوقف إجراء الانتخابات. ما سبب كل هذه الشدة على الانتخابات، فيما نجد في المقابل الرحمة والشفقة على الفلول والمجرمين والفاسدين؟ ولم نجد للقضاء دورا في معاقبة الفلول واسترداد المال المنهوب، ولا إعادة الاعتبار للمظلومين في عهد مبارك؛ كلهم أبرياء، وكل الحق على الجمل!
لو كان القضاء المصري شامخا، لما كان ثمة داع للثورة، ولاقتص القضاء من قتلة خالد سعيد. وخطأ الثورة التاريخي أنها أطاحت بالرئيس وأبقت النظام. ولن تستكمل الثورة طريقها في ظل قضاء فلولي. وهذا لا يبرئ الإخوان من الأخطاء السياسية التي ارتكبوها، ولكن أخطاءهم يحاسبون عليها في صناديق الاقتراع، وتستطيع الناس أن تنتخب غيرهم، والرئيس مرسي من الممكن ألا يعاد انتخابه.
المعركة ليست مع الإخوان، المعركة مع الديمقراطية. والمطلوب هو إفشال الثورة المصرية باعتبار أنها مجرد انقلاب عسكري قام به الجيش، ولم يجلب غير الفوضى. والجيش وحده هو القادر على الانقلاب مجددا. لذا، لا تسمع من جبهة الإنقاذ وحلفائها من الفلول أي حديث جدي عن انتخابات؛ كل ما يريدونه هو إسقاط الرئيس من خلال الاستنجاد بالخارج والجيش.
القضاء المصري ظل رأس الحربة في الثورة المضادة. وقد تمكن من تأمين حماية قانونية لفلول النظام السابق، بقدر حماية عصابات البلطجة الجديدة في بورسعيد والاتحادية وميدان التحرير. وكل شدته على الرئيس المنتخب ومجلس الشعب المنتخب، ظلت متوارية أمام عهد مبارك والمجلس العسكري، ومن ارتبط بهما من فلول ومجرمين. ولو أن القضاء قام بدوره بمحاسبة فلول الحزب الوطني، لتوقف 90 % من بث القنوات المصرية.
لقد نجح أعداء الربيع العربي، محليا وإقليميا ودوليا، في الحشد للثورة المضادة. وتحول الثوار الحقيقيون إلى مواقع الدفاع عن النفس بدلا من الهجوم. ومن السهل ملاحظة ذلك في تونس ومصر. وهو ما رتب خسائر كبرى على مستوى تاريخي. إذ كان من المفترض أن تمضى الأمور قدما في مصر، وأن يأخذ الرئيس مرسي فرصتة مثل أي حاكم في بلد ديمقراطي، وكان من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد المصري وينمو كما حصل مع الاقتصاد الأندونيسي عقب الثورة. لكن ذلك أُحبط، وغرقت مصر مجددا في أزمات سياسية واقتصادية طاحنة.
ليس بعد؛ يخطئ من يعتقد أن الثوار يستسلمون، فهم الأرقى هدفا، والأنقى سريرة، والأشد عزما وتضحية. ولكنهم حسبوا أن غير ذات الشوكة تكون لهم!

هل تريد التعليق؟