الكويت من الدول المحافظة في العالم العربي، وهي غير معنية بتمدد إقليمي خارج حدودها الصغيرة. ولم تسعَ تاريخيا لزعامة مع أن لديها إمكانات هائلة تمكنها من شراء دول ومؤسسات وأفراد. وفوق ذلك هي من الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية.
سياسة الكويت الخارجية ليست أنموذجا، لكن لنعترف بأنها كانت ثمرة للغزو العراقي، الذي فشل العرب والمسلمون في وقفه. وانقسموا في التعامل معه بين دول حفر الباطن ودول الضد. وبالمحصلة تم “التحرير” على يد الأميركي. الكارثة العربية بدأت عندما غاب مفهوم الأوروبيين في التعامل مع الدول باعتبار كل منها “الأول بين متساوين” تتساوى فيها اللكسمبورغ مع ألمانيا. انقسم العرب بين دول كبيرة قائدة ودول صغيرة تابعة. وكان ضم المحافظة التاسعة عشرة.
لم يجد صدام عندما احتل الكويت من يتعامل معه. قوة الدولة لم تكن بقوة جهازها الأمني والعسكري، القوة كانت في ثلاث ركائز: الهوية الوطنية الجامعة للكويتيين الذين لم ينقسموا أمام الغزو، كما حصل في العراق، مع أن الكويت بلد فيه تعدد طائفي (شيعة وسنة) واجتماعي (حضر داخل السور وبدو خارجه) ويعاني من أزمة اجتماعية تتمثل في البدون. ثاني ركيزة هي وجود دولة مؤسسات وحياة سياسية حقيقية. فالمجلس النيابي فيه معارضة سياسية حقيقية وإن كانت الأحزاب غير مصرح لها إلى اليوم. فوق ذلك الملاءة المالية التي بنت شبكة مصالح حقيقية بين المواطن والدولة وبين الدولة الصغيرة والدول الكبرى. وهو ما مكن الدولة المحتلة من “تمويل” تحريرها.
للمقارنة عناصر القوة الكويتية كانت معكوسة في العراق عندما تعرض للاحتلال. ليس هذا المهم، الأنموذج الكويتي المثير للاهتمام هو في محاربة الفساد. الرخصة الرابعة للهاتف الجوال في الكويت البلد الغني أعطيت بمنتهى الشفافية وطرح جزء منها للاكتتاب العام ولمؤسسة استثمار أموال الأيتام.
صحف أمس نقلت خبرا ربما يكون الأول من نوعه عربيا، الحكم بالإعدام على أحد أعضاء العائلة الحاكمة في الكويت. تقول “الحياة” اللندنية: في سابقة قضائية على مستوى العالم العربي، دانت محكمة الجنايات الكويتية أمس علي طلال ناصر الصباح، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وفي الاربعينات من العمر، بحيازة المخدرات والاتجار بها، وحكمت عليه بالاعدام شنقاً وبالسجن عشر سنوات لحيازة أسلحة غير مرخصة وبغرامة عشرة آلاف دينار (35 ألف دولار)، كما حكمت على خمسة آخرين ضالعين معه في تجارة المخدرات بأحكام تراوحت بين السجن المؤبد والسجن تسع سنوات. وكان علي طلال الصباح اعتقل في نيسان (ابريل) الماضي، عندما أمر وزير الداخلية الشيخ مبارك الجابر الصباح قوى الأمن باقتحام منزل المذكور في ضاحية “قرطبة” وضبطه ومن معه من المتورطين، إثر معلومات عن انه حول المنزل إلى وكر للاتجار بالمخدرات. ونشرت صحف كويتية وقتها ان قوى الأمن اعتقلت معه خمسة اشخاص وعثرت على عشرة كيلوغرامات من الكوكايين و30 كيلوغراماً من الهيرويين و120 كيلوغراماً من حشيشة الكيف مع أسلحة كثيرة غير مرخصة.
خبر الإعدام الكويتي ضاع وسط أحكام الإعدام “العراقية”. فبقدر ما مثل مشهد إعدام صدام ورفاقه أنموذجا لغياب الدولة وتكريس مفهوم الطائفية، مثّل حكم الإعدام الكويتي أنموذجا للدولة. دولة مواطنيها الذين يتساوون أمام القانون.
دولة الكويت بهذا الحكم أكبر من مساحتها، وتقدم أنموذجا للدول الكبيرة.. في المساحة.
هل تريد التعليق؟