من يقولون بوجود مؤامرة أميركية على الأردن ليسوا المعارضين للسياسات الأميركية من قوى المعارضة التقليدية، في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني المناهض للعولمة وغير الممول أجنبيا والممول أيضا ومن ينتظر؛ القائلون بالمؤامرة هم من دوائر شبه رسمية أو قريبة منها. وقولهم تطرب له المعارضة التقليدية أيما طرب! فهو يكشف كم هي ذكية هذه المعارضة وثاقبة البصيرة باكتشافها المؤامرة قبل الرسميين وأشباههم.
أول الأدلة على وجود المؤامرة يتلخص بانتقادات أوساط أميركية رسمية للأوضاع في الأردن في مواضيع الإصلاح والديمقراطية، والأداء الاقتصادي، والفساد، وغيرها سرا وعلانية. والدليل الثاني هو ما ينشر في الإعلام الأميركي، مرئيا ومكتوبا في وسائل إعلام مهمة لصحافيين وكتاب، يتناول بسلبية أيضا حال البلاد. أما الدليل الثالث، فهو اقتراب سياسيين أردنيين تقليديين في خطابهم العام من محرمات وخطوط حمراء، تشي باستنادهم إلى دعم أميركي.
لكن الأدلة السابقة لا تشكل أركان مؤامرة؛ فالأميركيون يتعاملون بغطرسة وعجرفة تناسب قدراتهم؛ دولة عظمى متفردة بقيادة العالم. والتعامل هذا لا ينطبق على بلد “في حجم بعض الورد”، بل ينسحب على الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والدول الصناعية الثماني! فوق ذلك، كثير من الانتقادات صحيح، وهي تتطابق مع انتقادات المعارضة الأردنية المعادية لأميركا.
والدليل الثاني ينطوي على جهل بالإعلام الأميركي؛ فهو وإن توافق بعضه مع دوائر صنع القرار، إلا أن هذا التوافق لا يعطيها صلاحيات التدخل في الإعلام والإملاء عليه. والصحافيون والكتاب الأميركيون، في إطار استقلالية معظمهم، يتعاملون مع محلل أردني مثل تعاملهم مع مسؤول في بلادهم، وقد يتبنون مقاربة ناشط في حقوق الإنسان في الأردن ويرفضون تصريحا للرئيس الأميركي في الموضع نفسه. وهم لا ينفصلون عن خلفياتهم الثقافية والاجتماعية.
وللتوضيح، فإن ما نشر في صحيفة “لوس أنجليس تايمز”، وأثار ضجة في حينه، كان حصيلة لقاءات كثيرة مع مسؤولين كبار وسياسيين وباحثين؛ والصحافي الإيراني الأصل، والذي تقيم زوجته في طهران مراسلة للفيغارو الفرنسية، كتب وفي مخيلته بلده إيران. ومهما كان قاسيا أو معاديا أو مخطئا في استنتاجاته، فقد خلص إلى أنه لا يوجد في الأردن خميني، أي شخصية جامعة مناهضة للنظام. والصحافي ذاته كان يقيم في أحد فنادق عمان أثناء الضجة، وكان يسعى للاستقرار في الأردن بعد أن غدا مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط. أي لو أنه يعتقد أن البلد غير مستقر لما سعى للاستقرار فيه مع زوجته لبناء أسرة.
ربما يكون الصحافي نفسه عميلا للصهيونية العالمية، وضالعا في التآمر على الأردن، لكنه وأمثاله من المتآمرين لا يشكلون تهديدا للبلاد. فلو صدقت التحليلات والكتابات التي نشرت في الصحافة الأميركية بخاصة، والغربية بعامة، لانمحى الأردن من الخريطة قبل أربعة عقود على الأقل.
أما اقتراب سياسيين من محرمات وخطوط حمراء فليس بجديد، وهو عمل فردي بالنهاية. وقد عرف الأردن منظمات قامت على عدم الاعتراف بالنظام والدولة، وحظيت بدعم دولي وإقليمي في غضون الحرب الباردة، ومارست العمل المسلح، لكن تأثيرها ظل هامشيا، وانتهت إلى مصالحة واعترفت بالنظام والدولة. والمعارضة في الأردن دستورية، ولا تتجاوز الخطوط الخضراء ولا الحمراء، وهي تكيل المديح لكل رئيس وزراء يجمعها على فنجان قهوة يرافقه وعود بتنمية سياسية.
الأميركيون بحاجة ماسة إلى الأردن، وإذا كانوا لا يتخلون عن نظام مثل النظام السوري لأن بديله أسوأ منه، فكيف يتخلون عن الأردن؟! وللتذكير، فإن سورية بنظر الأميركيين تقدم الدعم لـ”القاعدة” وحماس وحزب الله، وهي عامل رئيس في فشل السياسية الأميركية في المنطقة، ومع ذلك كان كل ما قام به الأميركيون أنهم عقدوا اجتماعات مع معارضين سوريين!
على كل حال، عدم وجود مؤامرة أميركية على الأردن، بالمعنى المتداول، لا يعني عدم وجود “عدوان أميركي” على الأمة العربية؛ وبحسب الدستور الأردني الأردن جزء منها، ويمكن اعتبار عدوان كالذي في العراق وفلسطين المتاخمين لنا مؤامرة علينا… استنتاج كهذا لا ينم عن ذكاء وبصر ثاقب، ولا داعي إلى أن يطرب أحد.
هل تريد التعليق؟