مقالات

المقاومة “البعثية” في العراق

يلخص قائد الحرس الجمهوري سيف الدين الراوي دور نظام البعث في المقاومة بأنه وفر لها سلاحا “يكفيها لخمسين سنة”، لكنه في المقابلة ذاتها- التي بثتها الجزيرة في ذكرى سقوط بغداد- يكشف بأن النظام لم يكن لديه تصور لما بعد الاحتلال، إلا التعويل بشكل عام على إرادة الشعب في المقاومة.

وإضافة لتوفير ترسانة سلاح تقليدي قد تكون الأكبر عالميا قدم نظام البعث البيئة الذهبية لانتعاش التيارات الجهادية الإسلامية بتلاوينها العالمية والوطنية.

لو لم يدخل صدام في مواجهة مع أميركا لما وجدت تلك البيئة، فأسامة بن لادن كشف في رثائه للزرقاوي أن من بدأوا العمل في العراق كانوا سبعة عشر، هذا بخصوص القاعدة، أما الجماعات الجهادية التي تعمل في إطار عراقي فلم تكن بدايتها أحسن كثيرا من حال “القاعدة”.

غير أن اللافت بعد أربع سنوات من الاحتلال هو اختفاء المقاومة “البعثية” بشكل تام. ففي بداية الاحتلال كانت مجموعة “جيش محمد” محسوبة على البعث لكنها اختفت تماما، وباستثناء ما ينشره موقع البصرة نت من تصريحات لمسؤولين بعثيين لم تسجل عملية واحدة “لمجاميع البعث الجهادية”. وقد أتاحت تقنية الكاميرات الرقمية وشبكة الإنترنت فرصة لأصغر المجاميع والهواة لتوثيق عملياتهم ونشرها. ومن خلال متابعة يومية للحال العراقية لم أعثر على عملية مصورة يتبناها فصيل بعثي.

حاول البعثيون في الخارج تجيير جهود الجماعات الجهادية لصالحهم مركزين على ثلاث جماعات، وهي الجيش الإسلامي في العراق، وجيش المجاهدين، وكتائب ثورة العشرين، لكنها جميعا نفت بشدة أي صلة بالبعث عبر بيانات وتصريحات متكررة. وقد سمعت ذلك شخصيا من قادة تلك الجماعات. والمفارقة أن أدبيات تلك الجماعات من مواثيق وبيانات وعمليات منشورة، وهي تعرف نفسها تعريفا إسلاميا حادا رافضا لفكر البعث.

آخر السجالات بين البعث وتلك الجماعات كانت مع بيان جيش المجاهدين الذي يرد بقسوة على تصريحات صلاح المختار، ويتساءل “نود أن نسأل سؤالا منطقيا يعرف جوابه أبناء العراق الشرفاء أين هم قتلى الحزب؟ ومن منهم قتل في مواجهة مع الأميركيين؟ أم أن هذه الملايين المملينة هي أشباح تقاتل الأميركيين فلا يرونها؟! وبالمقابل هل تريد قائمة بأسماء شهداء المجاهدين من أئمة المساجد ودعاتها من الذين كان نظامك المنهزم يطاردهم ويلصق بهم التهم ويودعهم السجون؟ بل أين ملايينك يوم أًًعدم قائدها الضرورة ورمزها صدام بهذه الصورة الشنيعة البشعة على أيدي العصابات الصفوية الحاقدة”.

بل يعتبر الجيش عقيدة البعث “كافرة” هكذا نصا: “هناك حقيقة لابد أن يعرفها الجميع وهي أن الضباط الذين انخرطوا في صفوف المجاهدين قد تبرؤا من الحزب وعقيدته لانهم يعلمون ان من مات على هذا الفكر والعقيدة يمت كافرا، فلا يوجد فرد واحد مهما كانت رتبته في صفوف جيش المجاهدين يحمل هذا الفكر”.

حدة السجال مع الجيش الإسلامي أو الكتائب لا تختلف كثيرا، فالتيارت الإسلامية في العراق سواء كانت إخوانية أم سلفية كانت مضطهدة ومحاربة، والتيار الوحيد الذي كان مدعوما من الدولة هو التيار الصوفي، الذي كان يقوده ويرعاه نائب الرئيس عزت الدوري. وللعلم فإن أول وجبة إعدامات في عهد البعث كانت لضباط من الإخوان المسلمين، أما السلفية التي ازدهرت عقب الحصار فلم يكن حالها أحسن، وعمر حديد الذي كان أمير الفلوجة في تنظيم القاعدة وقتل في معركتها الثانية كان مطاردا في عهد البعث، وصفي شيوخه في مواجهات مع نظام البعث. وهو من منع بنفسه احتفال البعثيين بعيد ميلاد صدام في الفلوجة.

تاريخيا لم تكن نهاية البعث بإعدام صدام، بل كانت بسقوط بغداد. وبقدر ما خسر البعث بسقوط بغداد كسب بإعدام صدام. كسب لغايات التاريخ، أما على الأرض فالوقائع تؤكد أن لا وجود لمقاومة “بعثية”، وأتمنى أن يُرد علي بعملية مسجلة واحدة تبناها حزب البعث. وكلفة الكاميرا الرقمية أقل من كلفة الهاتف النقال الذي يستخدم في التفجير!

هل تريد التعليق؟