مقالات

المقدسي.. هل من مكان تحت الشمس؟!

 احترمت صمت أبو محمد المقدسي كما احترمت رغبته في الحديث، وهو ما يخفف الشعور بالذنب تجاه اعتقال الرجل. فالإنساني لا ينفصل عن المهني، ولا يمكن أن تتسبب في التفريق بين الرجل وعائلته، التي أمضى أكثر من عامين بعيدا عنها، في سبيل مقابلة صحفية، مهما كانت أهميتها.

  سُمح للرجل أن يخرج لأنه سُمح له أن يتكلم في هذه المرحلة. فالرجل لا يخفي أيا من آرائه. وأثناء وجوده في السجن انتشرت أفكاره، اختلفت معها أو اتفقت. فموقعه على شبكة الإنترنت يستقطب حضورا لا ينافسه فيه كاتب آخر في العالم العربي. وفي المقابلات الصحافية مع “الغد” و”الجزيرة”، لم يزد على ما سبق أن كتبه في موقعه.

 الرجل من القلة الذين يمكن أن يرشّدوا الحال في العراق والسعودية والأردن، فأتباع التيار السلفي الجهادي لا يصغون لأساتذة كلية الشريعة ووزراء الأوقاف ونجوم الفضائيات.. إنهم يتتبعون الفتاوى في زوايا المساجد، تماما كما في زوايا الشبكة العنكبوتية، التي فيها تسمع كل شيء وتقرأ كل شيء؛ ليس كتب أبو محمد المقدسي بل كتب جهيمان العتيبي، زعيم المجموعة التي اقتحمت الحرم المكي، وكتب أيمن الظواهري وعبدالسلام فرج وغيرهم.

  عندما التقيت المقدسي أخبرني أنه يريد أن يتفرغ لإكمال كتب علمية لم يتمكن من استكمالها في ظل ظروف السجن والملاحقة. قال لي إن أكثر ما يكتبه يعتمد على الذاكرة، وأحيانا يروي الحديث بالمعنى. إضافة إلى ذلك، أراد أن يشكل هيئة مرجعية تضم علماء التيار السلفي الجهادي، بحيث تكون جهة توجيه وترشيد وتصويب.

  لا أريد أن أقول إن الرجل مستعد للمشاركة في “الأجندة الوطنية”، لكن من الممكن أن تلتقي معه في منتصف الطريق. فهو يكفر الدولة الأردنية، ويشاركه في ذلك كثيرون، منهم أعضاء في مجلس النواب الأردني. وليس ذلك بمستغرب، فالأحزاب الدينية في الدولة العبرية تكفر الدولة، لكنها تشارك في كل مؤسساتها. وللعلم، فمن أتباع الحركة الإسلامية- وحتى في بعدها الإخواني- من يتبنى الخطاب ذاته.

  فوق ذلك، الرجل يعتبر “القاعدة” جزءا من السلفية الجهادية، ولها واجب النصرة والمناصحة، وهذا ينسحب على تلميذه أبو مصعب الزرقاوي. لكن في المقابل، له مآخذ موثقة، وفي حال الاستماع إليه ستكون “القاعدة” حركة مقاومة احتلال أكثر منها حركة تستهدف الدول العربية القائمة. فهو يرفض استهداف المدنيين وتفجير الحسينيات والكنائس ودور العبادة الأخرى.

  والسؤال: لو اعتبر المقدسي أن “القاعدة” هم الفئة الضالة والخوارج …إلخ، فهل يصغي له أتباعه؟ سيفقد شرعيته وصدقيته، ويغدو عبئا على وزارة الأوقاف. لكنه يتحدث بنفس اللغة، ومن موقع المحب والناصح، ولذلك يمكن أن يستمعوا له.

  حسب ما سمعت من الرجل وقرأت له، فإن بالإمكان أن تلتقي معه في منتصف الطريق، وهو لقاء تحت الشمس لا بعيدا عنها، خصوصا إذا كنا نتحدث عن سيادة القانون (الجاهلي حسب أدبيات المقدسي). فقد برئ منذ نصف عام، ومن حقه أن يكون بين أهله. وإذا كان الإسرائيليون يستوعبون في حكوماتهم من يعتبر العرب حشرات، فإن مجتمعاتنا قادرة على استيعاب أمثال المقدسي.

هل تريد التعليق؟