إمعانا في نظرية المؤامرة، فإن السفير الإسرائيلي في القاهرة بذات نفسه هو من نفذ العملية الانتحارية التي استهدفت كنيسة القديسين في الاسكندرية. وهو من الكتيبة ذاتها التي سبق ونفذت هجمات الكنائس والحسينيات، وقبل ذلك غزوة الحادي عشر من سبتمبر! وما ذلك إلا نتيجة طبيعية لاتفاقات السلام المشؤومة التي أخرجت مصر من الصف العربي، وهي حلقة في سلسلة برنامج عصابة المحافظين الجدد التي تتحكم بصاحب البيت الأبيض.
والواقع أن كل المتآمرين يقصرون في الوصول إلى الدرك الذي انحدرت إليه المنطقة بفعل الأنظمة الفاشلة التي تناوبت على حكمها. وأولئك لهم مصلحة في وجود المشروع الصهيوني حتى يعفوا من المسؤولية. في مصر أيام الحكم الملكي كانت الجماعة الوطنية تضم الأقباط واليهود وليس المسلمين فقط. وكان في صلب الحركة الوطنية أقباط ويهود. اليوم يضيق تعريف الجماعة الوطنية بحيث يقتصر على “الحزب الوطني” الذي يمثل أبشع تحالف للمال والسلطة.
برغم حربه التي لا هوادة فيها على الإخوان المسلمين باعتبارهم جماعة طائفية، فإن الحزب الوطني حزب طائفي بامتياز. وعلى قول منى مكرم عبيد لـ”الشروق” بعد تزوير الانتخابات ضدها “إن الحزب الوطني يريد إذلال الأقباط بالتعيين فى مجلس الشعب، ولا يريدهم منتخبين”. واعتبرت عبيد أن إسقاطها كان بمثابة رسالة من الحزب الحاكم إلى الأقباط، مفادها: “ليس لكم أن تخوضوا الانتخابات وتكسبوا، ليس لكم إلا أن نقوم بتعيينكم كديكور، أو تأتوا من خلال الحزب الوطني، إنما خارج الحزب الوطني ليس لكم وجود. وأنكم لا مكان لكم على الساحة السياسية”. للتذكير كان والدها مكرم باشا عبيد الرجل الوحيد من خارج أسرة الإمام البنا الذي أصر على مخالفة قرار السلطات وشارك في جنازة مؤسس الإخوان المسلمين عقب اغتياله.
يرجح أن تكون القاعدة أو إحدى أخواتها وراء تفجير الكنيسة، لكن ذلك كان يمكن أن يقرأ بعيدا عن الاستهداف الطائفي. التفجير عبر عن مجتمع منقسم على نطاق واسع لا عن عمل إرهابي محدود. وإلا لم يصبّ المتظاهرون جام غضبهم على الشرطة، ولا يمكن عزل التفجير عن المظاهرات المزمنة المطالبة بالإفراج عن “كاميليا”. والمسؤولية لا تقتصر على الجانب المسلم، بل تشمل الأقباط الذين وقعت كثيرا من قياداتهم بنفس أخطاء القيادات المسلمة.
فيروس الطائفية والهويات الفرعية يضرب في كل مكان. الهوية الفرعية قد تكون القبطية أو المارونية أو الشيعية أو الكردية أو الأمازيغية… وعلى كل عائلة أن تكشف على أفرادها في ظل عجز السلطات عن التعامل مع الجائحة. بعيدا عن الاحتفاليات الكاذبة التي تتغنى بالوحدة الوطنية، علينا أن نسأل الأسئلة البسيطة لأنفسنا. هل يشعر المسلم بأنه أكثر انتماء من المسيحي؟ هل يشعر المسيحي بأن انتماءه لأمة العرب أم للغرب الذي يدين بنفس الديانة؟ شعور أي طرف بالاستعلاء على الآخر بسبب كونه أكثر ارتباطا بالمنطقة أم أكثر ارتباطا بالغرب يعني أن الفيروس القاتل موجود وإن كان كامنا.
لا تقتصر الكارثة على شعور المسلم المصري بأن القبطي ليس مواطنا، بل تصبح أشد إيلاما عندما يجد القبطي ذاته خارج بلده، في اللوبيات القبطية المتصهينة في الغرب، وهو ما سبق أن شهده لبنان عندما شعر الماروني بأن امتداده في تل أبيب وباريس وليس في دمشق والقدس. وكانت النتيجة وبالا على المسيحيين والمسلمين معا. المأساة واحدة في كل العالم العربي، والحل واحد، هو بناء دولة المواطنة.
هل تريد التعليق؟