مقالات

“الموظفون الكبار فاسدون وسيزدادون فسادا”

الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية حول الفساد عكس واقعا خطرا ينذر إن لم يتم تداركه بانفجار اجتماعي أو انهيار على الأقل. فهو يمثل رأي الناس في قطاعيهم العام والخاص، حتى لو كان الرأي غير دقيق أو مبالغا فيه أو خاطئا. فالانطباع أهم من الحقيقة، والإحساس بالمرض أخطر من المرض.

 نحو الثلثين في العينة الوطنية يقولون بوجود الفساد في القطاع العام ونحو النصف يقولون بوجوده في القطاع الخاص، الفساد ازداد وفي ازدياد: “وعند سؤال أفراد العينة الوطنية الذين أفادوا بوجود فساد في القطاع العام، عما إذا كان الفساد في القطاع العام قد ازداد أو نقص أو بقي على حاله خلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية، أفاد 46.1% بأن الفساد ازداد مقابل 18.9% أفادوا بأنه نقص، فيما قال 21.3% بأن الفساد في القطاع العام بقي على حاله. وكانت نسبة الذين أفادوا بـ “لا أعرف” 13.1%”.

أما تقييم المستجيبين لحالة الفساد في القطاع الخاص خلال 3 -4 سنوات الماضية، فقد أفاد 46.9% بأن الفساد ازداد، فيما قال 13.8% من المستجيبين بأنه قد نقص و22.8% بأنه بقي على حاله، و9.5% أفادوا بـ “لا اعرف”. النظرة للمستقبل سوداوية ولا يبدو بصيص أمل بمحاربة الفساد، فالعينة الوطنية عندما سئلت عن الحالة المستقبلية للفساد في القطاعين العام والخاص خلال الثلاث سنوات القادمة، ذكر 45.8% بأن الفساد سوف يزداد في القطاع العام مقابل 19.8% أفادوا بأنه سينقص و14.2% قالوا بأنه سيبقى على حاله، فيما كانت نسبة “لا أعرف” 19.8%.

وتظهر نتائج المستجيبين نحو حالة الفساد في القطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة أنها لم تكن أكثر تفاؤلا من تلك في القطاع العام، حيث أفاد 45.5% بأن الفساد سوف يزداد في القطاع الخاص، في حين أفاد 16.9% أنه سوف ينقص و17.7% بأنه سوف يبقى على حاله، فيما كانت نسبة المستجيبين الذين أفادوا بـ” لا أعرف” 19.6%.

نتائج الاستطلاع تتشابه مع تلك التي خرج بها تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي، إذ أجرى استطلاعا عن الفساد في العالم العربي أظهرت فيه الأكثرية اعتقادها بتركز الفساد في كبار الموظفين. في استطلاع المركز أظهر 35 في المائة أن كبار الموظفين في القطاع العام الأكثر مساهمة في انتشار الفساد تلتهم نسبة السياسيين إذ بلغت 21,8 في المائة، وحال القطاع الخاص لم يكن أفضل إذ بلغت نسبة موظفيه الكبار الفاسدين 31,2 في المائة. المستغرب أن أكثرية العينة اعتبرت الفقر بنسبة 49 في المائة سببا للفساد في القطاع العام. فهل  كبار الموظفين يشكون الفقر؟ أم أن الأغنياء هم من يفسدون؟

الكارثة في الاستطلاع هو مجلس النواب، فنسبة من يرون أنه مؤسسة لها دور فاعل في محاربة الفساد بلغت 38 في المائة مقابل 73 في المائة لدائرة مكافحة الفساد و55 في المائة لوسائل الإعلام و53 في المائة لديوان المحاسبة. مع أن  الدستور أناط الرقابة بشكل أساسي بمجلس النواب.

المؤسف أن أكثرية المواطنين لا يدرون عن الخطوات التي قامت بها الحكومة لمحاربة الفساد. وتشير النتائج الى أن “أكثرية الشارع الأردني لم تسمع ولم تعرف عن تحويل الحكومة الحالية لبعض ملفات قضايا يشتبه بوجود فساد فيها الى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات القضائية بشأنها. إذ أفاد ربع المستجيبين 25.2% بأنهم سمعوا بأن الحكومة الحالية قد قامت بتحويل ملفات قضايا، فيما أفاد ثلاثة أرباع المستجيبين بأنهم لم يسمعوا أو لم يعرفوا بذلك”.

انهيار الثقة بمؤسسات القطاع العام والخاص لم يأت اعتباطا. بل هو نتيجة طبيعية لغياب الإصلاح في السياسة والاقتصاد. وإلا ما معنى أن تتقدم دائرة مكافحة الفساد والإعلام وديوان المحاسبة على مجلس النواب في مكافحة الفساد؟ المفروض أن مؤسسات الدولة بما فيها الأمنية والإعلامية تتبع لمجلس النواب في محاربته للفساد. الحال لم تكن كما هي اليوم. ولو أجري الاستطلاع عام 89 لكانت النتيجة مختلفة تماما وقتها كان المجلس يحقق مع وزراء ورؤساء حكومات وقدم قانونا لمحاربة الفساد ظل في أدراج مجلس الأعيان سنين عددا.

للمرة الألف، الإصلاح سياسي ابتداء، والخطوة الأولى قانون انتخابات يعتمد القائمة لا الصوت الواحد المجزأ. يأتي بنواب يحاربون الفساد. وإلا فإن الحال ستظل كما في الاستطلاع فسادا زاد وفي ازدياد.

هل تريد التعليق؟