بعد أن وصفت الربيع العربي بالمؤامرة التي تهدف إلى تحقيق الهيمنة الأميركية على العالم، وعبرت عن مساندتها لنظام بشار وحليفه حزب الله اللذين يتحديان تلك الهيمنة، افتخرت بأن ابنتها تعمل في شركة أميركية! قلت لها إن أوباما هو من قرر أن لا يدخل السلاح إلى الثوار السوريين، وهو الذي يرفض التدخل العسكري فيها، وهو من سحب القوات الأميركية من العراق ويعمل على سحبها من أفغانستان، بسبب الخسائر الكبرى التي تلقتها القوات الأميركية في البلدين، ولأن الهيمنة لها وجوه أخرى لعل أبرزها الشركة التي تعمل فيها ابنتك!
في العالم العربي لا توجد مقاومة للهيمنة الاقتصادية ولا حتى قدرة على المنافسة والشراكة، توجد مقاومة عسكرية نجحت في هزيمة أميركا في العراق، والتيار الذي قاومها هو ذاته الذي يقاتل بشار اليوم. اقتصاديا لا يشكل العالم العربي غير سوق للمنتجات الأميركية، من الأطعمة الى السيارات فضلا عن منتجات أبل ماكنتوش ومايكروسوفت وغيرها.
في كوريا مقاومة، لا أقصد الصبي المعتوه الذي يحكم كوريا الشمالية ونجح في إعدام زوج عمته الذي رباه، وما تزال بلاده غارقة في المجاعات ولا تنتج غير الصواريخ وأسلحة الدمار، أقصد الجنوبية التي غزت السوق الأميركية وأنهكت شركات الحاسبات والهواتف الذكية والسيارات. وكوريا هذه تفوقت في برامجها التعليمية على أميركا، في مقابل الغزو الاقتصادي يتمسك البلد بوجود القوات الأميركية على أراضيه، وأخيرا توصلت كوريا الى اتفاق مع الأميركيين على تمويل وجود تلك القوات بـ 876 مليون دولار! فالجيش الأميركي مجرد شركة أمن لحمايتها من الجار الشمالي المعتوه !
فرق بين مجتمع يتحدى المجتمع الأميركي ويتفوق عليه علميا ومعرفيا، وبين مجتمع فاشل تابع له ويتحداه بشعارات.
ليست هذه دعوة لاستئجار قوات حماية أميركية، بقدر ما هي دعوة لفهم التحولات العميقة في مفاهيم الاستعمار والهيمنة والاستقلال والتبعية. لقد نجح العرب والمسلمون في الصومال ابتداء ثم في العراق وأفغانستان في إلحاق هزيمة عسكرية بالقوات الأميركية، لكنهم فشلوا تماماً في تحقيق أي هزيمة اقتصادية بشركة أميركية.
لا ليست هذه وحسب، في الثقافة والفنون الوضع أخطر، ما هو الإنتاج الفكري في الفلسفة وعلوم الاجتماع والتربية وعلم النفس الذي تقدمه جامعاتنا وإعلامنا؟ ماذا عن الطب والأدوية وغزو الفضاء .. الموسيقى والسينما والتلفزة والأزياء؟ ليست دعوة للاستسلام ولكنها دعوة للمقاومة والغزو المضاد، معركة الذخيرة فيها المعرفة وأداتها الاساسية الهيمنة الأميركية وادعاء مقاومتها!
وأخطر مراحل الهزيمة أن ترفع راية الاستسلام البيضاء وأنت تعتقد انك تزهو برايات النصر “ويا محلى النصر بعون الله”.
إن كل أعداء أميركا اليوم لا يستطيعون التخلي عن نبع الانترنت الأميركي، أو منتجات شركات الحواسيب وبرمجياتها، وهذه هي الهيمنة!? –
هل تريد التعليق؟