في مقالي أول من أمس بعنوان “فلسطين الكبيرة ” اجتزئت العبارة التي أتحدث فيها عن رمزية الوحدات المخيم ، وأنها رمزية للأردني تماما كما للفلسطيني في بعض المنتديات باعتبارها انحيازا لنادي الوحدات في خصومته مع النادي الفيصيلي . وقد ظللت حريصا أنا أنأى بنفسي عن أي صراع يستند إلى انتماء جغرافي ، وأحسب أن من غير الإنساني أن تقيم إنسانا على غير ما اكتسب . ونحن نكتسب ما في رؤوسنا وتفرض علينا مساقط رؤوسنا . <br/> <br/> وفي نفس المقال شنعت على من صغروا قضية فلسطين، فهي كانت وستظل قضية عادلة تستحق تضامن وتعاطف العالم أجمع، والأردن في كل مراحل الصراع كان شريكا في المأساة وشاهد عليها، وإن كان مهددا ضمنا وسرا في السابق فاليوم يهدد علانية وسط تواطؤ وصمت مريبين . فعندما تتبني الصحافة الإسرائيلية ” معاناة ” الفلسطينيين في الأردن “الذين يشكلون 70 بالمئة من السكان ” علينا أن نتأهب وندرك أن المعركة لم تعد في غرف مغلقة، ولا يجوز الوقوف موقف المتفرج منها . <br/> <br/> تصغر قضية فلسطين عندما تصبح بحجم الكرة وتكبر عندما تكون بحجم قباب القدس، تلك القباب التي ظلت شاهدا على انفتاح العربي ، فعمر بن الخطاب عندما دخلها فاتحا رفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يأتي متخلف بعده فيحولها مسجدا، وفي القدس العربية أول ما هدم بعد 1967 حي المغاربة لقربه من حائط البراق. ففلسطين تسحق أن تشد لها الرحال من المغرب. <br/> <br/> علينا أن نشخص العلة بلا مجاملة ولا خداع ، توجد أزمة هوية في كل دول العالم ، أرقى الدول الغربية تواجه إشكاليات هوية معقدة، في بريطانيا هويات مهاجرين وهويات ويلز واسكتلندا وإيرلندا.. في أميركا كان أخر ما كتبه المفكر صموئيل هنتنجتون عن أزمة الهوية وتحدي الهوية الإسبانية لأميركا. العراق وهو البلد العربي التاريخي لم يتوقف نزيف الهوية ، في سورية فجرت مباراة كرة قدم الدمل الكردي. الأردن ليس استثناء من دول العالم. <br/> <br/> من أكثر الهويات تعقيدا الهوية الأردنية،وخصوصا في بعدها الفلسطيني، مع أن الشعب الأردني عملا لا شعارا من أكثر الشعوب انفتاحا على الآخر، وأول خمسة رؤساء حكومة في تاريخه لم يكونوا أردنيين ، وأقوى رئيس وزراء في تاريخ الأردن الحديث ، وقبل وحدة الضفتين كان توفيق أبو الهدى من صفد.وفي طبائع الأردنيين لا يوجد جنون عظمة يستعلون فيه على من هاجر. بل هم من أكثر الشعوب قبولا بالآخر، ولذا ظلت بلادهم موطن هجرات وتلاق وإيلاف بين الناس. <br/> <br/> الانفتاح والطيبة شكلا الغراء الذي مكن الأردن من البقاء وسط محيط متفجر، إلا أن تعقيد الهوية يظل تحديا مزمنا، فهي هوية تركبت بعد حرب 1948، فالدماء التي سالت في تلك الحرب لم تكن دفاعا عن حدود سايكس بيكو التي أنتجت الأردن بل دفاعا عن فلسطين القضية . وخلافا للاجئين الفلسطينيين في كل الدول العربية تمتعوا ( أو فرضت ) بالجنسية الأردنية.وكل اللاجئين في الأردن مواطنون برقم وطني ولم يخضعوا يوما لحكاية البطاقات الخضراء والصفراء التي تخص أبناء الضفة الغربية . <br/> <br/> لم يشاور الفلسطيني ولا الأردني بخصوص تجنيس اللاجئين ، فرضت بقوة الدولة لكنها حظيت بالرضا من الطرفين، فلم يوثق تاريخيا أن احتجاجات نظمت ضد التجنيس كما حصل عندما فرضت الجنسية الإسرائيلية على المقادسة وأهل الجولان. وفي الوحدة لم يجر استفتاء حقيقي لكن كل كل القوى السياسية شاركت في الانتخابات التي تلتها وهو ما جعلها تحظى بإجماع ديموقراطي . <br/> <br/> من مصلحة الأردنيين والفلسطينيين الحفاظ على وحدتهم ، ومواجهة ما يهددها، ومن المصلحة الأردنية أبراز الهوية الفلسطينية في مواجهة الخطر الصهيوني من خلال التمسك بحق العودة. بهذا المعنى كل مخيم في الأردن هو بمواجهة كل مستوطنة تبنى ، وكل لاجئ هو بمواجهة كل مستوطن على الأرض المحتلة.الهوية المركبة هي قوة للأردن في مواجهة مخاطر الوطن البديل. والقول بنسيان فلسطين هو شطب لها من الذاكرة وحذف للأردن من الحاضر. <br/> <br/> ما يجري في الملاعب خطير، والحل ليس رياضيا فقط ، الحل سياسي بالمقام الأول يتطلب التأهب لمواجهة الخطر الصهيوني وتجديد الروح الوطنية ، ولا يكون ذلك بالهروب من الإشكاليات بل بمواجهتها بصراحة وطيبة وانفتاح . <br/>الغد.</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟