علي عبدالله صالح رئيسا لليمن، لا مفاجأة في ذلك. الأكثرية الساحقة في اليمن وخارجه كانت تدرك أن مسألة تداول السلطة لاتزال حلما بعيد المنال في العالم العربي، ولن يكون اليمن استثناء. وفي ظل هذه القناعة، لم تكن الانتخابات الرئاسية اليمنية مسرحية عبثية، بل كانت تمرينا قاسيا للمعارضة والحكم، قبل فيه الطرفان الدخول في اللعبة مع عدم التسليم بنتائجها.
منذ وصول مطار صنعاء تكتشف أن الخلط بين منصب الرئيس ومنصب المرشح قائم بصورة فجة. في الديمقراطية تكون الانتخابات “مرشح ناقص رئيس”، أما في الشمولية فتكون “مرشح زائد رئيس”! بمعنى أن الرئيس الأميركي في الانتخابات لا يحق له استخدام إمكانات الدولة لصالحه في مواجهة المنافس، أما في اليمن فإن الدولة بكل مؤسساتها مسخرة لمرشح المؤتمر الشعبي العام، الرئيس علي عبدالله صالح. وقد استمر هذا التسخير من فترة الدعاية والترشيح إلى إعلان النتائج!
المنافسة غير المتكافئة لم تقلل من جدية المعركة الانتخابية، وقد ظهرت هذه الجدية أول ما ظهرت في الحشود الجماهيرية للمعارضة، حتى في مناطق ظل ينظر إليها باعتبارها حكرا لحزب المؤتمر. وللمرة الأولى تجد في حاشد، قبيلة الرئيس، من يرفع صور مرشح من خارج القبيلة. وفي عمران (عاصمة حاشد) كان مهرجان المعارضة أكبر من مهرجان الرئيس.
حاول زعيم المعارضة وشيخ حاشد عبدالله بن حسين الأحمر تلطيف الأجواء من مقر اعتكافه السياسي في السعودية، بأن صرح أن مرشحه علي عبدالله صالح، هذا مع أنه لن يصوت يوم الانتخابات بسبب موعد مع طبيبه في الرياض في نفس اليوم، وتأكيده أن موقفه غير ملزم للمعارضة ولا لأبنائه.
خارج اليمن من الصعب أن تفهم موقف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وفي اليمن تفهم أنه صمام الأمان في بلد شهد الكثير من الثورات والحروب الأهلية. وإن كانت الانتخابات الرئاسية خطوة مهمة باتجاه الديمقراطية، فهي في الوقت ذاته تحمل مخاطرة قد تعصف بالبلاد، خصوصا في ظل الحديث عن بطانة غير صالحة تحرض الرئيس على البطش بالمعارضة التي تنازعه السلطة.
والواقع أن المعارضة لا تريد السلطة “الآن الآن وليس غدا”، بل لها برنامج إصلاحي مفصل حاولت إقناع الرئيس به، ولو تبناه لكان مرشح إجماع وطني. وهي قد تكون المعارضة الوحيدة في العالم العربي المبنية على أساس برامجي لا أيديولوجي. فالإسلاميون والاشتراكيون تناسوا تاريخا من الصراع والدماء، وتحالفوا في برنامج قاعدته محاربة الفساد وبناء دولة المؤسسات.
من مصلحة الرئيس وجود معارضة برامجية قوية، فهي ضمانة وحدة اليمن. وكان بإمكان الاشتراكيين أن يطرحوا برنامجا انفصاليا يعتمد على اللعب على غرائز الجنوبيين، لكنهم اختاروا برنامجا وحدويا، وهذا يسجل مراجعة حقيقية وتراجعا عن موقفهم في حرب الانفصال.
ثمة طرح حالم طرحه أحد قادة الإصلاح على الرئيس الذي يلتقيه باستمرار، أن يكلف فيصل بن شملان بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات الرئاسية، وبذلك تكسب اليمن، وتقدم نموذجا للشراكة بدلا من الصراع، خصوصا أن النظام اليميني يسمح بتجربة المساكنة كما في النظام الفرنسي، بحيث يكون رئيس الجمهورية من حزب ورئيس الوزراء من حزب آخر.
الطرح الحالم قد يكون واقعا لولا “البطانة غير الصالحة” التي يحذر المعارضون من نفوذها الذي تجلى في أثناء الانتخابات والفرز.
هل تريد التعليق؟