هتفوا للديرة السلطية بوصفها ” كبيرة كبيرة وقوية ” لم يكن هذا الهتاف وحده مستغربا في كلية الحقوق التي يفترض أن تدرس الناس مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والدستور. أكمل الطلاب السلطيون أهزوجتهم ” عمرها مروان الحمود بالدعسة الفجائية “! قلت لمحمد النابلسي الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية أن هؤلاء أحفاد الحزب الاشتراكي الذي حقق حضورا سياسيا كبيرا للسلط من خلال قياداته عبدالحليم النمر وسليمان النابلسي وصالح المعشر .. سألناهم : هل تعرفون عبدالحليم النمر ( والد مروان الحمود ) فأجابوا بالنفي , هل تعرفون سليمان النابلسي ؟ اختصر محمد حفيد سليمان, و قال أنهم لا يعرفون مروان الحمود وهو لا يقبل بمثل هذه الهتافات . <br/>اعتمد مروان الحمود على أرث والده باعتباره واحدا م الشخصيات التي تركت بصمات في تاريخ الأردن السياسي في حقبة الخمسينات . وكان من مدرسة ذات أفق قومي يتجاوز السلط والضفتين ، أما الدعسة الفجائية فهي شلة من الشباب المتمرد في السلط انحاز أكثر أتباعها إلى السلفية الجهادية وقضى بعضهم في العراق وكردستان وأفغانستان . وهي شلة تعبر عن انقسام سلطي تقليدي بين الحارة ووادي الأكراد . <br/>لم يخف محدثونا هويتهم السلطية وقالوا أنهم قدموا من غير مكان وجامعة وفاء لمرشح السلط . والذي فاز في تحالف تاريخي بين السلط والشمالات . بموازاة تحالفات عشائرية وجهوية أخرى تعكس تفوق الهويات الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة .لا يعبر المشهد عن أجواء الانتخابات في كل الجامعة . ومن خلال استقراء أكثر من كلية بدا أن انتخابات هذا العام كانت الأقل ” عشائرية وانقساما ” مما شهدته الجامعة على مدى ثماني سنوات . <br/>أحسن الدكتور خالد الكركي عندما أزال التشوه الذي مارسته الإدرات المتعاقبة للجامعة من خلال نظام النصف المعين . وهو نظام كان له هدف وحيد : تحجيم التيارالإسلامي . ولا شك أن الهدف تحقق إلى درجة كبيرة . فلا يمكن مقارنة قوة التيار الإسلامي هذا العام بقوته قبل ثماني سنين . وحتى لا بفرح المصابون ب” رهاب الإسلاميين ” عليهم أن يتذكروا أن الفضل لا يعود للنظام وحده فقد جاء في وقت تشهد فيه البلاد انكماشا سياسيا أخرج جميع الأحزاب من قاعة التداول باستثناء جبهة العمل الإسلامي .عندما يتراجع المحافظون في بريطانيا بتقدم العمال وعندما يهزم بوش يتقدم أوباما في أميركا في الأردن تتراجع الثقة في الأحزاب مجلس النواب والحكومات معا . وعلى هواة إلقاء اللائمة على الأنظمة الانتخابية أن يتنبهوا لو أجريت الانتخابات على مستوى القائمة في الجامعة لاكتسحها الإسلاميون باعتبارهم التنظيم الوحيد العابر للكليات . ولكنها أجريت على مستوى الصوت الواحد للقسم الواحد وهو ما يمنع أي تيار من الاكتساح . <br/>تقدم انتخابات الجامعة الدواء وتكشف العلة . فالدواء هو المضي في الإصلاح ودفع كلفته . وقد تبين أن لا كلفة له في الجامعة الأردنية وبحسب الطلاب فإنها الانتخابات الأهدأ والأقل انقساما.العلة الأساسية التي تعيق الإصلاح في الأردن هي أزمة الهوية الوطنية . فقد ظلت تتنازع الأردنيين هويات عابرة للحدود بناء على خلفيات إسلامية أو قومية أو ماركسية أو هويات دون الحدود تعبر عنها العشيرة أو الديرة أو المنطقة وبشكل أوسع الثنائية الأردنية الفلسطينية . لا يجوز أن نضع رؤوسنا في الرمال وننكر هذه الأزمة التي لا تحل بالهتافات والنوايا الحسنة . وعلى الواهمين أن يدخلوا الجامعات ويراقبوا ألوان ” الشماغات ” التي تعبر بشكل فاقع عن الهوية . ومن يقفون في وجه الإسلاميين ليسوا تيارات سياسية قومية أو ماركسية أو ليبرالية أو وطنية . يقف أفراد تجمعهم هويتين يعبر عنهم بشكل رئيسي ” وطن ” و” الوحدة الطلابية أو الطلائع ” أي بالمعنى الرياضي فيصلي ووحدات . <br/>تستطيع الجامعة الأردنية أن تقدم نموذجا للمحاولة الصعبة في بناء هوية وطنية تعبر عن التنوع , وهي بالتأكيد مفتوحة وليست مغلقة في وجه الإسلاميين أو العشائريين أو من هم من أصول فلسطينية . والبناء هذا لا يكون بقرارات وإنما بالحوار والتفاعل وبناء جسور الثقة . إن نجحنا في المحاولة ستكون مصنع القيادات كما في العالم الحديث . في بريطانيا وقف ويليم هيج خطيبا في مؤتمر المحافظين مطلع الثمانيات وعمره 16 عاما وكان إلى جوار ثاتشر التي ساهمت في رسم ملامح القرن المنصرم ومثله كان جاك سترو وزير خارجية حزب العمال. فقد التحق بحزب العمال سنة تسع وستين وكان عمره أربع عشرة سنة، ثم صار زعيما يساريا لاتحاد الطلاب في أوج الاضطرابات الراديكالية داخل الجامعات البريطانية. <br/>خطت الجامعة الأردنية بالاتجاه الصحيح , ولا يزال الطريق وعرا وطويلا أمامها . والخطو للأمام يظل خيرا من الرجوع للخلف أو المرواحة في المكان ذاته .والإصلاح السياسي يبدأ في الجامعة ولا ينتهي بها . <br/>[email protected] <br/> <br/>المقال نقلا عن صحيفة الغد.</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟