خسر الرئيس التركي، أردوغان، الانتخابات البلدية في بلاده، بعد عقدين من الانتصارات المتتابعة. لو أن المسار الديمقراطي لم يتعثر في الجزائر، لشهدنا خساراتٍ مشابهةً للجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت في الانتخابات البلدية بالتزامن، في مطلع التسعينيات، مع فوز أردوغان برئاسة بلدية إسطنبول. لا مقارنة بين نضج التجربة التركية التي كانت قد جرّبت انقلابات العسكر ودمويتهم والتجربة الديمقراطية البكر في الجزائر، غير أن تجارب دول أوروبا الشرقية في تلك الفترة نجحت، مع أنها بكر أيضا.
من المهم تعلم الدرس القاسي في العقود الثلاثة الماضية التي لم يعشها الجيل الذي خرج إلى الشوارع حتى لا تتكرّر الكارثة. خسرت الجزائر في العشرية السوداء ما يقدر بمائتي ألف إنسان، كلهم جزائريون، سواء ضحايا الإرهاب أم من قاوموه أم الإرهابيون أنفسهم. كان بالإمكان تجنب ذلك كله، ودفع كلفة الديمقراطية، والتي كانت ستظل دون ذلك. هل يوجد بلد ديمقراطي دفع هذه الكلفة؟ فوق ذلك، دفعت الجزائر نحو تريليون دولار من ثرواتها، ثمنا للأمن والاستقرار بعد الانتصار على الإرهاب، فمداخيل النفط التي تقدر بتريليون دولار خلال حقبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تبدّدت امتيازاتٍ للنخب الحاكمة، أمنية وعسكرية ومدنية، جسّدها ما بات يصفه الجيش بحكم “العصابة”. ليست مناسِبةً إقامةُ مجالس عزاء تندب تعثّر المسار الديمقراطي في ظل العرس الذي تعيشه الجزائر، والعالم العربي بعامة، ولكن تناسي ذلك سيسمح بتكرار أخطاء لا تقل فداحة.
علينا أن لا ننسى ما حدث في 22 فيفري (فبراير) الماضي، فمع أن أياما تفصلنا عنه، إلا أن محاولات سرقة الانتصار تجري على الهواء مباشرة. لنتذكّر أن الشباب الجزائريين الذين تصدّوا لبوتفليقة في عهدته الرابعة في حملة “بركات” (كفاية في الدارجة الجزائرية) على اختلاف تلاوينهم السياسية والفكرية، والذين بطشت بهم العصابة، هم من تصدّوا لها مرّة ثانية، وجبن الجميع عن الوقوف معهم من نخب عسكرية وسياسية في البداية. ولنتذكر تصريح رئيس الأركان، قايد صالح، الذي وصفهم بـ “الدعوات المشبوهة” و”المغرّر بهم”.
على قاعدة نيلسون مانديلا الذهبية “نغفر ولا ننسى”، يواصل الجزائريون سيرهم الواثق نحو التحول الديمقراطي، فالأحقاد لا تبني بلدا، والجيش، في النهاية، هو من حسم المعركة لصالح الشارع، وإن كانت انتهازيةً فهي تحسب له، وقد جنبت البلاد إراقة قطرة دم. والدور الوحيد للجيش هو حماية الشعب، وليس له من دور آخر، لا في السياسة ولا في الاقتصاد.
ما هو أسوأ من تقديس الجيش تقديس الشارع، فأكثر العدميين نياتهم حسنة، يرفضون كل شيء، والمستفيد من العدمية هو الفوضى التي تستدعي ديكتاتورا عسكريا بكامل لياقته، بدلا من ديكتاتور كسيح.
لا خوف على الجزائر، فما شهدناه في الأسابيع الماضية عكس وعيا غير مسبوق. والمهم أن يتبلور في صيغة خريطة طريق تحصد نتائج هذا الفعل التاريخي الجبار. يحتاج الجزائريون إلى ندوة جامعة تفرز مجلسا تأسيسيا يعدل الدستور، بما يضمن هيئة انتخابية محصنة، تنظم الانتخابات وتشرف عليها وتفصل في طعونها. بغير ذلك، فإن ماكينة التزوير شغالة بكفاءة، وقادرة على إنتاج أشباه بوتفليقة.
نحتاج في الجزائر هيئة انتخابات كما في تركيا، تضمن خسارة الحزب الحاكم، وجيشا يحمي الشعب، وليس وصيا عليه.
هل تريد التعليق؟