المشكلة بإزاحة الاحتلال أم بإزاحة حكومة حماس، الاحتلال باق ولا مشكلة ببقائه، وقد يستدعى في المناطق التي انسحب منها مضطرا للمساعدة في مواجهة عصابات القتل واجرام التي تقتل أطفال أبناء ضابط في المخابرات الفلسطينية (من قال إن الإسرائليين قتلوا محمد الدرة؟). المشكلة في حماس حصرا، ولا يجوز التساهل معها أو إبداء أي مرونة في التعامل معها، وإن فشلت محاولتا اغتيال إسماعيل هنية ومحمود الزهار فهذا لا يعني التوقف عن سياسة الاغتيالات التي أثبتت نجاحا مذهلا. ماذا لو كان الشيخ أحمد ياسين حيا؟ الحرب ليست أمنية وعسكرية، بل سياسية أيضا، لا بد من نزع الشرعية عن حماس من خلال انتخابات مرتبة مسبقا (مزورة) تحرمها من التواجد في الحكومة والمجلس التشريعي.
هل يمكن أن يقول عربي أو فلسطيني الكلام السابق؟ للأسف نعم. وما يقال اليوم عن حماس قيل سابقا وبقسوة أشد عن الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي حوصر وقتل على مرأى من العالم ومسمع، وهو الزعيم الذي جمع الشرعيتين الثورية والانتخابية. وفي سجل التاريخ ما يخزي كثيرا من الزعامات الفلسطينية التي تآمرت على قائدها ساعة المحنة. وسجل الخزي لا يتوقف حتى الساعة. فالمشكلة لم تعد مع الاحتلال الذي تخلى تماما عن العملية السلمية، ولم يقدم شيئا منذ عقد، وإنما مع حكومة الشعب المنتخبة.
فلسطين بلد محتل، والسياسة فيه ليست مثل السياسة في سويسرا، القادة فيه لا يتطلعون إلى “دخول كريم” من معابر محتلة، ولا معاملة حانية من جيش الاحتلال، قادة شعب محتل هم بين طريد وشهيد وسجين، هذا حال كل الشعوب التي عانت من الاحتلال، وحال قادتهم من حالهم. المطلوب تحويل الشعب الفلسطيني من شعب مقاوم إلى شعب عميل، ليس مهما الاستقلال ولا الهوية ولا الدولة ولا العودة ولا.. المهم هو الاستقرار الذي يجذب الاستثمار، وبذلك تغدو غزة مثل سنغافورة! والجيوب المقاومة تتكفل بها شركات حماية بمسميات وطنية، ولا نستغرب إذا شهدنا عطاءات تطرح لفرض الأمن في غزة وتتقدم لها شركات أمنية بأسماء كبيرة مثل “استخبارات سلاح الفضاء” في ظل انعدام السيادة على الأرض.
الانتخابات ليست قرارا سياسيا يتخذ ساعة نزق. لنتخيل بوش يحل الكونجرس عقب الفشل في العراق! الأهم من ذلك أن بوش يضمن انتخابات نزيهة، لو قرر إجراءها وهو حانق، لكن كيف يمكن إجراء انتخابات وإسرائيل تعتقل رئيس المجلس التشريعي؟ اللحظة التي أجريت فيها الانتخابات يصعب تكرارها. فصاحب القرار بإجرائها هو الرئيس الأميركي جورج بوش، وهو الذي حيد الإسرائيليين في غضونها. لكن الانتخبابت النزيهة، وإن كانت مطلبا للمحافظين الجدد في مرحلة معينة تظل من ضرورات حياة الأشخاص الطبيعيين. تماما كما لو سمحت الحكومة الأميركية بصرف الرواتب.
المطلوب اليوم ليس انتخابات مبكرة، المطلوب أميركيا وإسرائيليا انتخابات مزورة تزيح حماس، وتشعل حربا أهلية. فالانتخبابات النزيهة ليست من حقوق الشعوب العربية والمسلمة إنه “عالم ليس لنا”. كان بإمكان العالم أن يمهد الطريقة الصعبة لحماس أن تتحول من حركة مقاومة إلى حركة حكم، لكنه أغلق الطريق أمامها وحصرها بخيار المقاومة، وهو الخيار الأسهل بالنسبة لها. فهي تحتاج لأموال قليلة تصرف على آلاف المقاتلين وتجهيزاتهم لا إلى أموال طائلة على العلاج والصحة والتعليم لشعب من ملايين. الخيبة ليست بحماس، بل بالمجتمع الدولي الذي قبل بأبشع عملية اختطاف وابتزاز، اختطاف شعب كامل، رُوِّع وجُوِّع، وقُتِل للتخلي عن خياراته السياسية.
هل تريد التعليق؟