شن تلفزيون الأقصى في ذكرى رحيل ياسر عرفات حملة ضارية على “التيار الدايتوني” في رام الله متهما إياه بالتآمر على عرفات وصولا إلى قتله. وتوافرت ذخائر كثيرة في الهجوم، فالحاكمون اليوم في رام الله هم من استحدثوا منصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية لتهميش سلطات الختيار الذي كانوا يتهمونه بالتفريط بمنجزات أوسلو وكامب ديفيد والتورط بانتفاضة الأقصى. إلا أن تلك الحملة فقدت بريقها عندما منعت حكومة حماس احتفالات فتح وفصائل المنظمة بالذكرى الوطنية.
لا تحتاج حركة حماس إلى مزيد من الأعداء، وقرار غبي وخاطئ مثل هذا كفيل باستعداء أقرب الحلفاء. كانت حماس تستطيع أن تقيم احتفالا مركزيا وتقول إن الحكومة الشرعية هي من تحيي ذكرى الوفاء لأبو عمار الذي تجرع السم ولم يتجرع كامب ديفيد، وأنم من انقلبوا عليه سرا وعلانية وهم من تركوه محاصرا وأخذوا بتسويق أنفسهم باعتبارهم البديل له في حياته. لم تفعل ذلك وبررت منعها على لسان طاهر النونو الناطق باسم الحكومة في غزة الذي قال لـ “هآرتس” انه ليس فقط لم ترفع طلبات لترخيص المظاهرة، كما يفترض القانون “وكما كنا نحن في حماس نفعل دوما في الماضي”، بل انهم “لا يعترفون ابدا بوجود الحكومة القائمة، واذا كانوا لا يعترفون فكيف بهم يطلبون ان نعطيهم الترخيص؟” وحسب النونو، الادعاء بمصادرة المناشير “مبالغة” وهذه ليست اعتقالات بل مجرد استدعاء قصير للشرطة.
إذن، الحكومة في غزة قادرة على المنع والمنح مثل أي حكومة. يا للبؤس ! أهذا الوطن الموعود؟ الحمدلله أن الحكومة الإسرائيلية لم تدخل على الخط وتسمح بإحياء الذكرى في تل أبيب. طبعا لم يتقدم أحد، ولو احتفل أحد لما منع. فالمحتفلون برحيل رابين –مثلا- لا يطلبون إذنا من حكومة خصومهم. نجاح المنع حقق هدفا واضحا لحماس: فتح لم تعد موجودة. فهل يعقل أن الحركة التي بدأت في غزة تنتهي فيها ؟ كان بإمكان المئات أو العشرات تحدي قرار حماس، ويتحملون هراوات الشقيق وفاء لصاحب الذكرى. ألم تتحمل حماس هراوات الشقيق في ذكرى انطلاق الحركة في الضفة؟
هل هدف حماس إنهاء فتح والوصول إلى السلطة؟ هدف كهذا لا يستحق آلافا من الشهداء والجرحى والأسرى. ولم يكن أيضا هدف فتح ذلك. ثمة وطن محتل واستيطان وأسرى وقدس ولاجئون و… يحتاج الفلسطينيون إلى حركات تحرر ولا يحتاجون إلى أحزاب حاكمة. للتذكير حمامة السلام باراك وافق على العديد من مشاريع البناء في الضفة الغربية في الشهورالأخيرة بالرغم من تعهد إسرائيل بتجميد هذا النشاط.
الذي يردع بارك هو المقاومة، فعشية ذكرى رحيل عرفات استشهد ستة من كتائب القسام كانوا سيستخدمون نفقا لاختطاف جنود، هآرتس نقلت عن بارك بعد العملية “نحن ننظر الى الهدوء النسبي ونعرف أنه تحت السطح تعتور امور اخرى. امكانية خطف جندي هي عملية استراتيجية تصبح في غضون بضع ساعات مشكلة وطنية وفي غضون يوم مشكلة دولية”. واضاف باراك بان “ليس لدينا نية لخرق الهدوء. لدينا مصلحة في مواصلة التهدئة، ولكن في كل وضع يتعين فيه علينا احباط عملية ضد جنود او مدنيين اسرائيليين فاننا سنعمل”. ما تحتاجه حماس هو مشكلة دولية لا مشكلة محلية.
تنجح حماس عندما تقاوم، وتنجح عندما تقيم حكما نزيها في ظل الحصار، وتنجح عندما تتمكن من تحصيل لقمة العيش للفلسطينيين في ظل أسوأ حصار عرفه تاريخ البشر. وتفشل عندما تمارس قمعا لا يليق بها. لا حاجة لوطن تفتقد فيه الحرية. من هنا تبدأ حركة التحرر، قبل لقمة العيش المهربة من الأنفاق.
هل تريد التعليق؟