مقالات

بانتظار صيف ساخن

كيف سيكون الصيف المقبل؟ سؤال لا يمكن أن تجيب عليه العائلة الأردنية بسرعة. القرار يتخذ بتآنٍ وبعد مشاورات. برك السباحة ستكون مجهزة في “المزرعة” وقادرة على استيعاب الضيوف القادمين من الخارج. أسعار الماء والمحروقات لن تنغص بهجة الصيف، فالمال ليس للكنز وإنما للحياة. التوفير في هذه الأجواء غير مقبول، ولا داعي لتشجيع السياحة المحلية الرخيصة أو معاونة السياحة المصرية لتجاوز أزمة تفجيرات دهب. لا بد من الخروج من المنطقة كلها وبمشاكلها الموجعة للرأس.

في أوروبا متسع إن ضاقت بلاد بأهلها. الأولاد مبكرا بدأوا بالتنقيب في شبكة الإنترنت عن مكان يليق أن تبدد فيه أموال لا تنضب. الوالدان يثقان بقدرة الأولاد، فالأم تقتصر مشاريع السياحة لديها على ما تتباهى به النسوة في ثرثرتهن والوالد لا يعرف غير الأماكن التي يصدفها في رحلات العمل، وعادة ما يكون رجل الأعمال منشغلا بصفقاته غافلا عما هو جميل حوله. الأولاد لا يكتفون بما يسمعون من أصدقاء متعددي الجنسيات وما يشاهدون من أفلام، بل يعمقون معرفتهم بالدخول على المواقع السياحية عبر شبكة الإنترنت ويحصلون على عروض مذهلة. مكلفة لكنها لا تعوض.

في أثناء احتفاء العائلة آنفة الذكر بالصيف تستقبله عوائل أخرى على مضض. الوالد مغتاظ من النادي الصيفي ورسومه ومتطلباته. لماذا لا يلعب أولادنا في الحارة! في طفولتنا لم يكن ثمة ناد صيفي، وها نحن بقينا على قيد الحياة؟ لا داعي لتعلم السباحة فالناس بالكاد تجد ماء للشرب، وفي حال تعلموا السباحة في النادي الصيفي فهذا يعني أنهم سيطالبون باشتراك ببركة سباحة مستقبلا. لتقطع الطريق من الآن.

ابنه البكر يبعث الأمل في نفسه، فعلى رغم تعثر أدائه في المدرسة، والمشاكل التي يفتعلها في البيت، خصوصا مع شقيقته، يصر أن يكون رجلا. يعمل في ورشة بناء في عطلة الصيف، يؤمن مصاريف الدخان والشقاوة المعقولة ويساعد والده في تسكير فجوات اتسع خرقها على الراتق، أكثر ما يحبط الوالد هو النشاط الاجتماعي المحموم في الصيف. فما أن يتلقى دعوة لحضور زفاف حتى يبدأ بتدبير “النقوط”. مناسبات اجتماعية لا تنقضي، تخرج من المدارس والجامعات، ولادات لا تتوقف، توازيها وفيات، الحياة والموت الفرح والحزن لا شيء مجانا.

الإحباط يتفاقم مع توافد الضيوف، لا يكتفون بكوب شاي أو فنجان قهوة، فالتبجح الاجتماعي أدخل معايير غير مقدور عليها. دعوات لا تتوقف لا تبقي ولا تذر. الحرارة في ارتفاع، الوالد يشخص النظر في عداد المياه، يستغرب ويستنكر المبالغة في شرب المياه والاستحمام والجلي والتنظيف. الأولاد على وشك الإنفجار. ضاق بهم البيت المكتظ بهم وبالضيوف.

تعلم الأم معنى أن تطلب من الوالد القيام بنشاط ترفيهي في مثل هذه الظروف. فسعر البنزين جعله يتعامل مع السيارة باعتبارها تحفة تستقر مكانها ولا تبارحه إلا للضرورة القصوى. لكنها بعد التوكل على الله فاتحته بالموضوع هامسة؟ الجواب أتاها صراخا.. بعد أن هدأ توصلت العائلة إلى تفاهمات مبدئية. ابنه البكر تعهد بدفع نفقات اللحوم المستوردة، والأم كشفت عن مدخرات سرية تكفي لتأمين كمية معقولة من “التسالي” للكبار و”شيبس” للصغار.

المفاوضات كانت شاقة للتوصل إلى تفاهم حول مكان النشاط الترفيهي، الوالد يصر على أن يكون قريبا جدا، مغادرة البنيان واللوذ بأقرب شجرة على الطريق العام. المهم هو الهرب من الاختناق في البيت. كل كيلومتر بعيد عن البنيان كان يتطلب نقاشا صعبا تشارك فيه العائلة. المهم الابتعاد عن البيت، وكلما ابتعدت أكثر كنت في حال أفضل. الوالد اقتنع أخيرا يكفي أني لا أشاهد عداد المياه ولا عداد الكهرباء، ولا شاشات الفضائيات التي لا تأتي بما يسر، أشاهد أجمل ما في الحياة، عندما أشاهد أطفالي مبتهجين أدركُ أنّ ثمة ما يستحق المكابدة والشقاء. لكن كيف لي أن لا أشاهد عداد البنزين؟

هل تريد التعليق؟