“إذا كان الإخوة النواب غير راضين عن أداء الحكومة، فإن المواطنين، وأنا أعرف أبناء شعبي، غير راضين عن أداء الإخوة النواب”. قد يقرأ كلام رأس السلطات عتابا للنواب في ظل معركة “لي الذراع” مع الحكومة، وربما حضا لهم على تطوير أدائهم والارتقاء به، كما يمكن أن يقرأ بأنه وداع مبكر للمجلس النيابي!
فالحكومة ومجلس النواب وجهان لعملة واحدة، مجلس خدمي في جوهره، لا يمكن أن يلد حكومة سياسية. وعدم رضا الناس عن مجلس النواب لسبب أساسي؛ فنائب الخدمات مثقل بوعود لا يمكن الوفاء بها. إذ لا يستطيع أن يشغّل كل العاطلين عن العمل في دائرته، ولا يستطيع توزير الطامحين، ولا نقل الموظفين الصغار إلى مواقع أقرب لسكناهم، ولا ترفيع متوسطيهم إلى مواقع عليا… وعود كهذه رئيس وزراء عامل ينوء بها، فكيف بنائب مدفوع بالأبواب؟!
لو أن النواب سياسيون وبرامجيون، لأمكن الحصول على رضا ناخبيهم. فالنائب بإمكانه صوغ قانون يلبي تطلعات الملايين، كما بإمكانه اتخاذ مواقف ترضي أقاربه وناخبي محافظته وأبناء وطنه (وأمته والإنسانية جمعاء) من بعد. وفي ذلك كله، لا يحتاج النائب إلى الانتظار في مكاتب سكرتيرات الوزراء. في المقابل، الحكومات خدمية، وقد تجاوزت خدمية بعضها تأمين الوظائف (خصوصا العليا وبعقود!)، إلى تأمين فيض نقدي لم يعدم منه حتى بعض الصحفيين.
لكن، مع ذلك، تنهار ثقة الناس في الحكومات كما المجلس، لأنك لا تستطيع أن تعطي الجميع، خصوصا في ظل الحاجة الحقيقية للأكثرية الساحقة. تستطيع أن تقنع الجميع أنك أمين على الموارد القليلة وتوزيعها بعدالة، وهذا سهل ومتاح، تشريعا ومواقف. فالمال العام مثل الدم، تحرم إراقة قطرة منه بغير وجه حق، فكل فلس يدخل خزينة الدولة يجب أن يوثق بقانون، وكل فلس يخرج منها يوثق بقانون. هذه ليست موعظة على مقبرة، بل هكذا ينص الدستور الأردني وكل دساتير العالم.
في أميركا، أغنى دولة في تاريخ البشر، قوة الكونغرس ليس في أنه يقرر للناس، فالرئيس هو صاحب القرار دون الرجوع إلى أحد، بل قوة الكونغرس أنه صاحب القرار في الموازنة. لذلك يقال في النظام السياسي الأميركي أن الرئيس هو من يحمل السيف، والكونجرس هو من يحمل حقيبة النقود. هذا في أميركا التي تغمرنا بمساعداتها، أما في الأردن، فقلما تجد نائبا يناقش قانون الموازنة بجدية وعمق! تسمع مطالب خدمية بسيطة، بعضها يمكن أن تنفذه فرقة متطوعين من الكشافة، فيما يجهل كيف تنفق ملايين دون وجه حق.
التفاصيل أكثر مرارة، والخوض فيه غير مجد. بالمجمل، المواطن محق في عدم الرضا والثقة بسلطتيه التنفيذية والتشريعية، والحل ببساطة إجراء انتخابات وفق قانون انتخابي عادل وإجراءات نزيهة. وفي حال وصول نواب يمثلون وطن، تأتي حكومة تحظى بثقة الناس، وبغير ذلك سنظل نراوح مكاننا.
ما رشح عن لجنة الأجندة الوطنية يدعو إلى التفاؤل الحذر، فتوصية اللجنة السياسية باعتماد نظام انتخابي مختلط تواجه اختراقات واسعة النطاق، تجعل التقدم في أدنى حدوده. فالناخب سيكون له صوت واحد، ليختار إما نائب القائمة الحزبية، التي لا تزيد نسبتها على ثلاثين في المئة من المقاعد، وإما نائب الدائرة. وهذا يعني أن حزبا لن يمتلك الأكثرية مهما تعاظمت شعبيته، لكن ستكون سوية المجلس أفضل من سوية سابقه.
ثمة مخاوف غير مبررة تحذر من سيطرة الإسلاميين على المجلس النيابي، وهي المخاوف التي تحول دون الوصول إلى قانون انتخابي عادل. والسؤال الكبير: هل الفراغ الذي تركه تحجيم الإسلاميين ملأته قوى وطنية تقدمية تنويرية…؟! الإجابة هي ما نراه اليوم، حكومة ونوابا.
هل تريد التعليق؟