مقالات

بترايوس .. نموذج للنضج الأميركي

المشكلة ليست في القس المعتوه تيري جونز الذي يعتزم إحراق القرآن الكريم، بقدر ما هي في ظاهرة التحريض على الإسلام. فتلك غدت سياسة عامة تبدأ بالتحريض على المتطرفين أو الحركات الإسلامية الجهادية أو السلفية، وتنتهي بالتحريض على الدين ذاته.

في أميركا؛ تتواصل مفاعيل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر إلى اليوم. وهي تقود باتجاهات متناقضة متغيرة لا يعرف أين ستستقر. أحد تجلياتها تخبطات القس المعتوه، صحيح أنه معزول ومنبوذ ولا يمثل حتى الكنيسة المتصهينة، إلا أنه يعبر عن ظاهرة التخويف من الإسلام التي غدت تجارة سياسية رابحة.

القس وحده لا يشكل خطرا، الخطر عندما يأتي في سياق حملات “حزب الشاي” على أوباما والتي تتهمه بأنه يخفي إسلامه، وفي الحملات المضادة لبناء مسجد قرطبة في الطابق صفر (المكان المتبقي بعد تفجيرات البرجين)، وتلك حملات يخوضها سياسيون جمهوريون مرموقون مثل رئيس مجلس النواب السابق جينجرش ومرشحة نائب الرئيس السابقة سارة بيلين.

في المقابل يلمح نضج في المواقف الأميركية، ويعبر عنها بشكل واضح الموقف المضاد لإحراق المصاحف والذي تكاتفت فيه جهود الإدارة والجيش والتيار العام للكنيسة وغيرها من مؤسسات مدنية وسياسية. واللافت فيه بشكل واضح موقف الجنرال بترايوس قائد المنطقة العسكرية الوسطى، أي الذي يخوض معركة أميركا على العالم الإسلامي.

اعتبر الجنرال أن ما يفعله القس يعرض حياة جنوده للخطر “الأمر سيهدد في الوقت نفسه حياة الجنود والجهود الدولية”، وأضاف “يمكن أن يؤدي الى مشكلات كبيرة، ليس هنا فقط انما في كل انحاء العالم، إذ نحن موجودون في مجتمعات إسلامية”. والتصريح ليس مفاجئا، فقد نضج الجنرال على وهج النار في العراق وفي أفغانستان، وهو وقف في الكونغرس وقال إن حل القضية الفلسطينية مصلحة للأمن القومي الأميركي. فالجنرال بحسب ما يروي أحد مستشاريه أدرك في العراق حجم الترابط في قضايا المنطقة، فقد كان يستغرب كيف يجمع الفرقاء العراقيون على ما بينهم من دماء على القضية الفلسطينية.

نظرية ترابط قضايا المنطقة والعالم يؤيدها عسكري محترف مثل بترايوس، ويعارضها بشدة، باحث صهيوني مثل روبرت ساتلوف الذي يؤمن بعزل القضية الفلسطينية والتعامل بالقطعة مع مشاكل العالم لإسلامي. والفرق واضح بين عسكري نزيه دفع الثمن من دماء أقرب الناس إليه وبين باحث انتهازي يقبض ثمن تزوير الوقائع.

قائد المنطقة الوسطى قاتلنا في العراق ويقاتلنا في أفغانستان، تماما كما قاتلناه، لكنه أقرب إلى فهم قضايانا من السياسيين الأميركيين الذين ينظرون عن بعد أو على أعينهم غشاوة من مصالح انتخابية ضيقة.

هل تريد التعليق؟