يسعد الصهاينة كثيرا بوجود نظرية المؤامرة في العالم العربي؛ إذ هي بقدر ما تدينهم بكل الشرور في العالم، تبرئهم لدى العقلاء الذين يشغّلون عقولهم. فعندما يتهم “الموساد” بالوقوف وراء كل جريمة، فهذا يعني أنه بريء من أي جريمة، وتكرس الدعاية الصهيونية التي تقدم العرب باعتبارهم غير أسوياء، يلقون بمسؤولية فشلهم وهزائمهم وجرائمهم على عدو واحد، ويعفون أنفسهم من أي مسؤولية.
من المؤسف أن التصدي لنظرية المؤامرة التي تسخف الصراع العربي-الإسرائيلي وتحوله إلى مجموعة أساطير، يحوله بعض المتحمسين، بحسن نية أو بسوئها، إلى دفاع عن إسرائيل. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ازدهرت نظريات المؤامرة، مع أن المخططين والمنفذين معروفون بالاسم، ويفخرون بما قاموا به، سواء من اعتقل منهم أو قتل.
من يتابع المقابلة مع الرجل الثالث في تنظيم القاعدة ومسؤول اللجنة الشرعية، أبو حفص الموريتاني، والتي بثتها “الجزيرة”، يستطيع أن يدخل في عقل ابن لادن الذي خالف رأي أكثرية مجلس شورى “القاعدة” واللجنة الشرعية. والرجل خرج من غوانتنامو، وما يزال خالد الشيخ وغيره يواجهون المحاكمة. ومع ذلك، يتهم الموساد بها.
تتكرر النظرية ذاتها اليوم بعد جريمة اغتيال وسام الحسن. براءة الذئب من دم يوسف لا تبرئ الذئب من دماء الآخرين. وفي جريمة وسام الحسن الذئب الإسرائيلي بريء والإخوة متهمون. يتمنى كل مجرمي العالم لو عندهم مجرم كإسرائيل حتى تلقى عليه جرائمهم. جريمة اغتيال الحسن ليست الأولى ولا الأخيرة التي تلبّس للصهاينة. لقد ارتكبت إسرائيل مجازر وما تزال، وسترتكب المزيد. ويدها الطويلة امتدت إلى لبنان منذ عقود، ولا أحد يبرئها من مجازر قانا وصبرا وشاتيلا واغتيال خيرة قادة النضال الفلسطيني واللبناني.
من يقرأ لائحة اتهام المحكمة الدولية بخصوص اغتيال رفيق الحريري، والتي ما يزال حزب الله يرفض تسليم المتهمين فيها، يجدها تتكرر حرفيا باغتيال الحسن، وكأن الجناة ذاتهم هم من كرروا الجريمة، من حيث الرصد والتتبع والتفجير. هذه المرة طبعا بدون شريط أبو عدس.
وسام عيد الذي اغتيل بعد كشفه خريطة اتصالات خلية
حزب الله التي نفذت اغتيال الحريري، كان ضابطا عند وسام الحسن، ومن يومها والأخير في مرمى الحزب إلى أن تمكن منه. ولم يشفع له أنه كشف 36 شبكة للموساد كانت تخترق حزب الله، وكان من بينها الشبكة التي يتزعمها أحد نواب حليف الحزب، ميشال عون. والمتحمسون لحزب الله لا يفسرون لنا إلى اليوم لماذا يعدم عملاء إسرائيل في غزة، وفي معاقل حزب الله يحكمون بأحكام مخففة جدا، ويستقبلون استقبال الأبطال بعد خروجهم. وحزب الله الذي وصف الحسن بالشهيد بعد اغتياله، كان إعلامه لا يتورع عن وصفه بالخيانة.
لا يحتاج الأمر لعبقرية، تكفي مراجعة ملف اتهام ميشال سماحة الذي كشفه الحسن. ويتداول في لبنان قبل اغتيال الحسن أنه قبل سياسيا استثناء جميل السيد، وهو متورط مثل سماحة. وتجاهل ملف سماحة، مثل تجاهل تاريخه في التعاون مع الإسرائيليين، يهدف إلى حماية حلفاء حزب الله.
بفضل قدرات حزب الله الأمنية والعسكرية، فإن إسرائيل ليست مطلقة اليد في لبنان، ولم تتمكن من اغتيال عماد مغنية إلا في سورية، وكذلك قادة حماس العسكريين. ولم تتمكن من تنفيذ اغتيالات نوعية، وبالكاد هي تنفذ غارات جوية. في المقابل، فإن مثلث إيران-حزب الله-سورية يتمكن بيسر من استهداف خصومه، سواء الحريري أم الحسن أم جبران تويني أم غيرهم.
ملاحظة أخيرة: تبرئة الذئب الإسرائيلي لا تعني أنه يسعى إلى ترسيخ السلم الأهلي في لبنان وسورية، بل هو سعيد بحالة الاحتراب الأهلي التي تصنعها إيران بالوكالة.
هل تريد التعليق؟